Untitled Document

شبكة البصرة منبر العراق الحر الثائر
print
أصحاب كاظم الساهر


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أصحاب كاظم الساهر

شبكة البصرة

كرم نعمة

رغم كل هذه السنين التي مرت على أغنية "آه ياصاحب" لكنها تبقى واحدة من جواهر الساهر اللحنية.

لأن هناك ما يمكن أن نسميه بالمستقبلية في ألحان كاظم الساهر، بوسعي العودة إلى أغنية “آه ياصاحب” التي كتبها الشاعر الراحل الأمير بدر بن عبدالمحسن، وأعاد فيها الساهر تقديم نفسه بطريقة مختلفة كليا عما أداه من ألحان خمسة نصوص للشاعر نفسه وللملحن السعودي محمد شفيق. في واحدة من التنازلات اللحنية التي أقدم عليها الساهر.

قيمة هذه الأغنية تكمن في لحن الساهر المفعم بتوزيع أوركسترالي للفنان الراحل فتح الله أحمد.

على بساطة النص الشعري، لكنه مثقل بالتساؤل عن رحلة الأصحاب ووجع فقدانهم، ذلك ما يفسر لنا اختيار الساهر مقام الحجاز غزير الشعور بالأسى. وهو المقام الوحيد الذي يمكن اعتباره شرقيا وغربيا في الوقت نفسه لعدم احتوائه على “ربع تون”، لذلك بنى الموزع نصه الموسيقي على اقتباس روح موسيقى الفنان الفرنسي الراحل موريس جار الذي كان قد أستوحى أجواء الشرق بمقام الحجاز وهو يضع الموسيقى التصويرية لأفلام “لورنس العرب” و”الطريق إلى الهند” و”الرسالة” و”أسد الصحراء” للمخرج الراحل مصطفى العقاد.

شعر الساهر بغربية التوزيع الموسيقي لصديقه الفنان فتح الله أحمد، في المقدمة التي أدتها أوركسترا مختلفة كليا عن فرقته الموسيقية المعتاد عليها، لذلك اختار أروع ما في شرقية مقام الحجاز المسمى “المدمي” الأقرب إلى أطوار العتابة المنتشرة في غرب العراق والجزيرة السورية وهو يبدأ التساؤل الملتاع في المقطع الأول “آه يا صاحب/راحوا الأصحاب/والزمن غالب والأمل كذاب/والوفا آه يالوفا/خانوا الأحباب”.

وهو في ذلك يحاول سحب السامع إلى مشرقية اللحن بعد مقدمة موسيقية غربية حافلة بالآلات الهوائية الناعمة.

قد يجد المتخصص في علوم الغناء أن ثمة بونا واضحا في البناء الموسيقي بين المقدمة الأوركسترالية وانطلاق صوت الساهر المتسائل بحزن شفيف عن الأصحاب الراحلين، وهو يحاول إعادة الأسماع إلى مشرقية الأغنية. لكن سرعان ما تمتزج الأسماع بانسيابية ساحرة مع غناء الساهر وتتناسى المقدمة. ويمكن أن نعزو ذلك إلى ثقافة وبراعة الساهر الموسيقية عندما تعمد اختيار “المدمي” العراقي أشد ما في مقام الحجاز تساؤلا وأسى وهو يدخل بحسرة “آه يا صاحب” لتسهيل مغادرة الأسماع للمقدمة الأوركسترالية الغربية على فخامتها وجماليتها!

يدخل صوت الساهر المؤهل لأداء “الوحدة الكبيرة” مع الإيقاع من خلال آلة الرق وتختفي الضخامة الأوركسترالية تدريجيا عندما يبدأ الغناء.

لا يغادر اللحن في المقاطع الأخرى روح مقام الحجاز المثقل بالفراق كما جسده ببراعة ناظم الغزالي في القصيدة المشهورة “لما أناخوا قبيل الصبح”. وهكذا يبقى الإيقاع طاغيا على اللحن مع صوت الساهر معاتبا “ما بقى صاحب يا صاحب/يستحق اعتاب/تضحك دموعي للزمن والناس/وغدت ضلوعي/في الرجا والياس”، حتى نستعيد غناء الساهر كما أحببناه في “مدرسة الحب” و”ليلى” وهو يرتفع بِوَلَهِ الباحث عن أصحابه الراحلين “وانت لو تدري ش اللي في صدري/قلت ليلا باس”.

برع الساهر في استنطاق الروح الكامنة في معنى مفردتي “لو تدري” وأثقلها بالتساؤل الملتاع في اللحن، وزاد عن التساؤل، توهج الأداء الذي يمس شغاف القلب، حتى نصل إلى فقدان الأمل في “ما بقى صاحب يا صاحب/يستحق اعتاب/ضاعت أيامي/أرجي اللي غاب/شابت أحلامي/والزمن ما شاب”.

لتنتهي حكاية الأغنية وحكاية الأصحاب بتأمل ما بقي حول الشاعر والمغني معا فنجد ظلهما في “وش بقى قلي/غير أنا وظلي/في أرضنا أغراب”.

ورغم كل هذه السنين التي مرت على هذه الأغنية لكنها تبقى واحدة من جواهر الساهر اللحنية، ويمكن أن نعزو عدم تقديمها من جديد في حفلاته، إلى حاجته إلى أوركسترا مصاحبة. فمن يتحمل - في النهاية - ظلم هذه الأغنية الرائعة؟

العرب

شبكة البصرة

الثلاثاء 3 جماد الاول 1446 / 5 تشرين الثاني 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط

print