عام كامل مر على حرب إبادة غزة. البعض أطلق عليه عن حق عام الابادة الجماعية.
عام كامل يباد فيه شعب على مرأى من العالم كله. عام كامل والعالم يتابع لحظة
بلحظة آلاف المجازر الوحشية بحق شعب فلسطين، ويتابع التدمير الوحشي للمدارس
والمستشفيات والملاجيء والمباني والمنشآت.
في المحصلة النهائية لأبشع إبادة جماعية في التاريخ، تم تدمير غزة بالكامل بحيث
لم تعد قابلة للحياة، وتم تشريد كل أهلها في بلادهم، واستشهد وجرح مئات الآلاف.
ورغم كل هذا، لا احد في العالم بمقدوره ردع الكيان الإسرائيلي او اجباره على
وقف هذه الإبادة الجماعية، ويتصرف الكيان على اعتبار انه ليس هناك أي شيء يخشاه
ان هو واصل كل هذه المجازر وكل هذه الإبادة.
السؤال المهم الذي يجب ان نسأله ونفكر فيه هو: لماذا تمكن الكيان الاسرائيلي من
مواصلة حرب الابادة على امتداد عام كامل؟ ما الأسباب التي تمكنه من ذلك؟ ما
الذي يراهن عليه بالضبط حين يتصرف هكذا بلا خوف من أي رد فعل او ردع الآن
ومستقبلا؟
بالطبع على رأس هذه الأسباب ان الكيان الإسرائيلي لا يشن حرب الإبادة وحده.
أمريكا وكل الدول الغربية تدعمه وتشارك معه بمختلف الأشكال في هذه الحرب، وهي
التي تحميه من أي مساءلة او حساب دولي.
وفي مقدمة هذه الأسباب حقيقة ان الموقف العربي متخاذل لا يرقى ابدا الى مستوى
الخطر الداهم الذي تشكله الحرب ليس على فلسطين والشعب الفلسطيني فقط، ولكن على
كل العرب.
وعلى امتداد عام كامل عجز العالم كله عن وقف الابادة، وعن تطبيق القانون الدولي
بمحاسبة المجرمين، وثبت ان القانون الدولي معطل، والمنظمات الدولية مشلولة.
كل هذا معروف ومفهوم. لكن نريد ان ننبه الى عامل آخر له أهمية حاسمة في التفكير
الاسرائيلي، ويمثل رهانه الأساسي.
يراهن الكيان الإسرائيلي على ان العرب مع مرو الوقت سوف ينسون، وستصبح حرب
ابادة غزة مجرد ذكرى تاريخية عابرة يتذكرونها في المناسبات دون ان يتغير شيئ.
بعبارة أخرى يراهنون على ان العرب سوف يعتادون على هذا الذل مع مرور الوقت، ولن
يمثل بالنسبة لهم أي حافز للمواجهة دفاعا لا عن فلسطين ولا عن الدول العربية.
حين يراهن الكيان الإسرائيلي على هذا، فانه يستند الى التاريخ.. تاريخ الصراع
وتاريخ المجازر الصهيونية.
قبل قيام الكيان الاسرائيلي، ارتكبت العصابات الإرهابية الصهيونية عشرات
المجازر الوحشية في فلسطين. وبعد قيام الكيان الاسرائيلي ارتكب المئات من هذه
المجازر بلا توقف عبر اكثر من سبعين عاما. هذه المجازر استشهد فيها مئات
الالاف، وتم طرد الفلسطينيين من بيوتهم و ارضهم واستولى عليها الصهاينة. هذه
المجازر سجلها التاريخ بكل تفاصيلها.
ويراهن الكيان الإسرائيلي على انه كما ان كل هذه المجازر أصبحت مجرد ذكرى
بالنسبة للعرب، فسيكون هذا هو حال حرب ابادة غزة الحالية.
السؤال هو: هل سنسمح بان يحدث هذا فعلا؟ هل سنسمح بان تصبح إبادة غزة مجرد ذكرى
عابرة نندد بها في المناسبات؟ هل سنتعايش مع كل هذا الذل ونقبل به كمجرد أمر
واقع؟
علينا ان نلاحظ انه مع كل المجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني منذ ما قبل
قيامه، الا ان حرب ابادة غزة مختلفة من زاوية محددة. الكيان الإسرائيلي يريد من
هذه الحرب ان تكون انهاء لقضية فلسطين وفرضا للإرادة الصهيونية بشكل كامل على
كل العرب.
لهذا، لسنا نبالغ حين نقول انه بالنسبة للعرب هذه الحرب وجودية تتعلق بالوجود
العربي بالمعنى الاستراتيجي والتاريخي. والحديث يطول في شرح هذا.
نريد ان نقول ان حرب ابادة غزة يجب ان تدفع العرب لتفكير استراتيجي جديد جوهره
كيف يمكن مواجهة الكيان الاسرائيلي والمخططات المرسومة وكيف يمكن الدفاع عن
الدول العربية.
هذا اذا أردنا الا نعتاد على الذل ونقبل به، واذا أردنا الدفاع عن وجودنا. |