هذه اول مرة في التاريخ نشهد فيها امرا كهذا.
بلدان يقرران تبادل الهجمات على سبيل الهدايا وفق سيناريو متفق عليه مسبقا،
والكل يخرج في النهاية سعيدا ويقول انه حقق أهدافه.
هذا هو ما يحدث بين ايران واسرائيل.
قبل الهجمات الصاروخية الأخيرة على إسرائيل، أعلنت أمريكا ان ايران سوف تشن
هجوما وشيكا على اسرائيل. وبعد الهجوم اتضح ان ايران كانت قد تبادلت الرسائل مع
أمريكا وأبلغتها بتفاصيل الهجوم الذي سوف تشنه. وبالطبع نقلت أمريكا الى اسرئيل
مباشرة هذه التفاصيل، واستعدت له.
وقع الهجوم الصاروخي الإيراني وسط تهويل من الجميع من شأن مئات الصواريخ التي
اطلقتها، وانتهى الهجوم من دون ان يوقع أي خسائر يعتد بها، لا مادية ولا بشرية.
بعد الهجوم أعلنت إسرائيل انها سوف ترد عليه وانه سوف تنسق ردها مسبقا مع
أمريكا.
وكما هو متوقع سيكون الرد الإسرائيلي في الأغلب محدودا ربما يستهدف منشأة او
منشأتين من دون إيقاع خسائر كبيرة.
الذي حدث على هذا النحو افضل شيء بالنسبة لإيران وبالنسبة لإسرائيل.
النظام الايراني تعرض لانتقادات شديدة في الفترة الماضية في الداخل ومن جانب
القوى الموالية له في المنطقة بسبب تردده في الرد على إسرائيل بعد اغتيال هنية
في طهران، ونصر الله في لبنان والضربات التي وجهتها لحزب الله. وظهرت انقسامات
في داخل ايران حول هذا التردد وضرورة ان ترد ايران. في نفس الوقت سادت حالة من
الإحباط في أوساط القوى العميلة لإيران في المنطقة العربية، وسط تقارير كثيرة
تتحدث عن ان طهران مستعدة للتخلي عن هذه القوى في اي وقت في سبيل مصالحها
الخاصة.
الهجوم الأخير أتاح للنظام الإيراني الفرصة في ان يقول انه صادق حين هدد بالرد
على إسرائيل، وبانه قادر على إيصال صواريخه الى هناك.
اسرائيل من جانبها اتاح لها الهجوم الإيراني الفرصة لأن تؤكد صحة خطابها الذي
تروج له في العالم من انها مستهدفة وانها تتعرض لتهديدات جسيمة و"تدافع" عن
نفسها، من دون ان تدفع في المقابل أي ثمن جدي لقاء ذلك. وحين توجه ضربة لإيران
سوف تقول انها ردت على الهجوم الإيراني، وفي نفس الوقت تبقى الأوضاع منضبطة الى
حد كبير.
اذن، الطرفان رابحان من عميلة تبادل هدايا الهجمات على هذا النحو.
نحن العرب الضحية لكل هذا.
ايران تحتل اربع دول عربية وتفعل ماتشاء تعزيزا لوجودها ونفوذها عبر القوى
العميلة لها، وتستغل القضايا العربية لخدمة استراتيجيتها، وللدخول في مساومات
مع أمريكا والغرب لتعزيز مصالحها.
واسرائيل تستبيح الأراضي العربية من دون رادع، وتنفذ مخططاتها.
ايران وإسرائيل تنفذان بنجاح مخططاتهما التي تستهدف الدول العربية.
كتبت من قبل اكثر من مرة اننا نشهد لعبة كبرى، أطرافها ايران وامريكا وإسرائيل.
ونحن نشهد اليوم فصلا جديدا من فصول هذه اللعبة.
استمرار هذا الوضع يعني اخطارا وجودية رهيبة تهدد الدول العربية. اذا استمر هذا
الوضع الله وحده يعلم أي دول عربية سوف تضيع تباعا.
وسط كل هذا، نجد ان الدول العربية لا تفعل شيئا سوى التفرج على ما يجري على
الأرض العربية، وتصدر بيانات انشائية لا معنى لها ولا أحد يلتفت اليها اصلا. |