Untitled Document

شبكة البصرة منبر العراق الحر الثائر
print
التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية 9


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية 9

شبكة البصرة

علي الكاش

ابن العبري

فيلسوف ولاهوتي سرياني نال الشهادة الكهنوتية على يد البطريرك (اغناطيوس داوود الثاني) وصار أسقفا في مدينة جوباس ولاقبين ثم مطرانا على حلب، وتوفي في بلاد فارس. كتب في كل العلوم كالفلسفة والمنطق واللاهوت والنجوم والفلك والطب والأخلاق والقانون والصرف، والنحو، والأدب، والتأريخ. ومن أشهر كتبه (مختصر تأريخ الدول). طبع هذا التاريخ لأول مرة سنة 1663 في مدينة أكسفورد باللغتين العربية واللاتينية بمراجعة العلّامة پوكوك. ثم ترجمه بوّر الى الالمانية سنة 1783 وهو كتاب مقتضب لا نفع منه من الناحية التأريخية، فقد ذكر موجزا صغيرا عن الخلفاء من الراشدين الى نهاية الدولة العباسية على أيدي المغول، وقد استقى معلوماته من الرواة قبله، والكتاب يتحدث عن الأطباء الذين صَحبوا الخلفاء وأهم كتبهم ومعالجة أمراض الحكام والناس معا. في الكتاب معلومات متناقضة وبعضها لا سند لها لا، على سبيل المثال ادعائه" ان ملكيزدق كان في ايام نوح وانه كان ابن شام"، في حين يذكر بعدها" ان الكتاب الالهي اعرض عن ابانة نسب ملكيزدق وتاريخي ولادته ووفاته".

كما ضم كتاب إبن العبري أخطاء تأريخية لا حصر لها، فقد ذكر مثلا في الصفحة (18) من كتابه المختصر" أن الافرنج هم من بني يافث"، في حين ذكر في الصفحة (14) من نفس الكتاب" ان الفرنج من الادوميين"! كما ذكر" ثم وجه الى المهدي بن المنصور بخبر وفاة المنصور وبالبيعة له ولابن عمه عيسى بن موسى بعده. فأبى عيسى بن موسى من البيعة للمهدي وامتنع بالكوفة وأراد ان يتحصن بها. فبعث المهدي أبا هريرة في ألف فارس فأخذه الى المهدي. ولم يزل يراوضه ويراوده حتى أجاب الى خلع نفسه. فعوضه عنها عشرة آلاف دينار وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي". (مختصر تأريخ الدول لأبن العبري/126).

أمر مثير حقا! كيف أرسل أبو هريرة (19 ق هـ ـ 57 هـ) في ألف فارس وقد توفي أبو هريرة قبل ولادة المهدي بسبعين عاما (127 هـ 169 هـ)؟ وأخطاء تأريخية أخرى هي خارج موضوع بحثنا. لم يأتِ ابن العبري على ذكر مكتبة الإسكندرية في عدد من مخطوطات كتابه المذكور، بل لم يَشِر الى مدينة الإسكندرية إلا عرضا ومنها" لما بنى الإسكندر الاسكندرية رغب الناس في عمارتها لحسن هوائها وطيب مائها وكانت دار العلم والحكمة بمصر الى ان تغلّب عليها المسلمون واختط عمرو بن العاص على نيل مصر المدينة المعروفة بفسطاط عمرو فانسرب العرب والعجم لسكناها فصارت قاعدة مصر". (مختصر تأريخ الدول/14).

عن حرق الكتب أشار في معرض حديثه عن الرياضي ارشيميديس بقوله" إنه يوناني أخذ الحكمة من المصريين. وقيل ان الذي اردم اراضي اكثر قرى مصر وأسس الجسورة المتوصل بها من قرية الى قرية في زيادة النيل ارشيميديس. وللعبري مصنفات عدة مثل كتاب الكرة والاسطوانة والمسبّع في الدائرة. وقيل ان الروم أحرقت من كتبه خمسة عشر حملا". (المصدر السابق/38). ولم يتحدث عن عمر بن العاص إلا في حادثين بصورة مقتضبة بقوله" فتح عمرو بن العاص مصر عنوة وفتح الاسكندرية صلحا". (المصدر السابق/101). والثاني أشاد فيه الى نحب عمر للعلماء والأدباء وتقريبهم له بقوله" عاش الى ان فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية. ودخل على عمرو وقد عرف موضع غرماطيقوس النحويّ من العلوم فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها انسة ما هاله ففتن به. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكان لا يفارقه". (المصدر السابق/103). فهل يعقل أن يقوم (العاقل وحسن الاستماع وصحيح الفكر كما وصفه ابن العبري) الذي يقرب العلماء والأدباء ويرعاهم ويغدق عليهم الهدايا والعطايا، بحرق أكبر مكتبة في ذلك الزمان؟ كما قيل حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدق فلا عقل له.

في الخطط الجديدة لمصر جاء ما يأتي" إن إحراق السرابيوم كان بأمر من البطريق (تيوفيل) بعد توقف كثير من العلماء والأهالي، ثم بنى محل السرابيوم كنيسة سميت (اركاديوم) من اسم القيصر اركاديوس المتولي تخت القيصرية بعد القيصر (تيودوز الأكبر) وجعل فيها دار كتب جمع ما أبقته النار، وشيئا كثيرا من كتب النصرانية، وهي التي نُسب إحراقها الى عمر بن العاص، لكن لم يعلم وجه انتساب ذلك اليه، فإن هذه الحادثة لم يتكلم عليها أحد من المؤرخين في عصره من النصارى وغيرهم، ولم يظهر ذلك إلا في القرن الثالث عشر من الميلاد من كتابة تُنسب الى أبي فرج بطريق مدينة حلب، مع إنه لم يذكرها في تأريخه العام". (المنحة الدهرية/98).

الخلاصة هي محاولة من بطريق لرمي تهمة حريق المكتبة من قبل أقرانه على أعناق المسلمين.

من العجب انه لم يتحدث عن غزو التتار للعراق الا على نحو يسير لا أهمية له بقوله" وفيها غزا التتار العراق ووصلوا الى تخوم بغداد الى موضع يسمّى زنكاباذ والى سرّمرّأى، فخرج إليهم مجاهد الدين الدويدار وشرف الدين إقبال الشرابيّ في عساكرهما فلقوا المغول وهزموهم وخافوا من عودهم فنصبوا المنجنيقات على سور بغداد. وفي آخر هذه السنة عاد التتار الى بلد بغداد ووصلوا الى خانقين فلقيهم جيوش بغداد فانكسروا وعادوا منهزمين الى بغداد بعد ان قتل منهم خلق كثير وغنم المغول غنيمة عظيمة وعادوا. وفيها حدث ببغداد مدّ دجلتها مدا عظيما هائلا وغرق دور كثيرة وغرق سفينتان فهلك فيهما نحو خمسين نسمة". (المصدر السابق/251).

وهنا نتساءل هل يعقل ان يهمل ويتجاهل موضوع حرق دور الكتب في العراق التي تحدث عنها جميع الرواة مفصلا، ويتحدث عن حريق مكتبة الإسكندرية؟

لإعطاء صورة عن تدوينه للأحداث خلال عام 656 هـ أي عام غزو المغول للعراق، ذكر الآتي" توفّي الفائز عيسى بن الظافر اسماعيل صاحب مصر وكانت خلافته ستّ سنين وولي الأمر بعده بمصر عبد الله بن يوسف بن الحافظ ولقب العاضد لدين الله وهو آخر الخلفاء العلويّين بالديار المصريّة". (المصدر السابق/212). ولم يعرج على أي موضوع آخر خلال هذه الفترة المظلمة من تأريخ الأمة الإسلامية الخطير!

ذكر الأستاذ نبيل الكرخي في نقده للرواية " الرواية تحوي على أخطاء تأريخية منها انها ذكرت أن يحيى الغراماطيقي قد عاصر الفتح الاسلامي وعاش بعده بينما تذكر المصادر أنَّ يحيى الغراماطيقي كان ميتاً في وقت الفتح الإسلامي لمصر، وهذه اول نقاط ضعف هذه الرواية وعدم مصداقيتها، يضاف لذلك أن أبو الفرج الملطى عاش في القرن السابع الهجري أي بعد حوالي سبعة قرون من الحادثة فهو لا يستند إلى دليل معتبر في إسناد روايته ولم يذكر أي مصدر يستند عليه في روايته هذه. واما تفريق الكتب على الحمامات لغرض حرقها، فهو عمل مخالف لأوامر الخليفة لأن تفريقها على الحمامات يوفر فرصة مهمة لإنقاذها من خلال شرائها ممن يقومون بالحرق، بالإضافة إلى ان من يقومون بالحرق هم مسيحيون يمكن ليحيى الغراماطيقي ان يؤثر عليهم بسهولة لإنقاذ الكتب. والأسهل على عمرو بن العاص هو جمع الكتب في ساحات او حتى في اماكنها وإحراقها بدلاً من معاناة نقلها وهي آلاف مؤلفة إلى مناطق تواجد الحمامات وهي مناطق متفرقة. فضلاً عن أن الكتب تصنع عادة من الصحف والاوراق التي لا تصلح لإيقاد قزانات الحمامات. فهي لا تصلح وقوداً لكي يتم إتلافها بهذه الطريقة التي تعرقل عمل الوقود الاصلي للحمامات وتتلفه".

ويضيف د. إبراهيم عوض" من المعروف أن يوحنا النحوي لم يكن عربيا، فلم يكن يعرف العربية من ثم، مثلما لم يكن ابن العاص مصريا، وعليه لم يكن يعرف اللغة المصرية، كما لم يكن يعرف أية لغة أخرى غير العربية يمكنه التخاطب من خلالها مع يوحنا النحوي، فكيف إذن كانا يتفاهمان؟ كما يُفْهَم من كلام القفطي وابن العبري، قريبا جدا من دين المسلمين، إذ هو لا يؤمن بالتثليث ولا بالصليب، فمن المستبعد أن يرفض عمرو له طلبا كهذا كان يستطيع على الأقل أن يحققه له جزئيا فيتركه يأخذ من كتب المكتبة الإسكندرانية ما يكفى استعماله الشخصي مثلا دون أن يضر المسلمين ولا شخصه هو في شيء بدلا من أن يعقّد المسألة كل هذا التعقيد الذى تصوره الرواية، وفى نفس الوقت يتألف قلبه ولا يخزيه أمام الآخرين ممن يدينون بالصليب والثالوث. على أن الطريف لي المسألة هو أن يوحنا إنما تحدث عن حاجته هو وأمثاله إلى تلك الكتب، لنفاجا بابن الخطاب يتحدث كما لو كان العرض المقترح هو أن يستعملها المسلمون. ولكن ما دام لن يستعملها المسلمون، بل المصريون، فما معنى أن يقول إنها إن كانت توافق القرآن ففي القرآن غُنْيَةٌ عنها، وإن كانت تخالفه فلا يصحّ للمسلم قراءتها؟ إن ابن العاص يسأله عن شيء، فيجيبه هو عن شيء آخر لم يُسْتَفْتَ فيه ولا كان مطروحا أصلا للبحث". (مبحث بعنوان أسطورة إحراق المسلمين لمكتبة الإسكندرية).

الكتاب بغض النظر عن اختلاف الطبعات، ليس من الكتب المعتبرة تاريخيا رغم معرفة الكاتب عدة لغات تساعده كما يفترض في التوسع بالمعلومات والتنوع في المصادر والاطلاع على الروايات باللغات الأخرى التي يجيدها. كما أنه عاش في عدة بلدان وعايش عدة ثقافات دون أن يجسدها في كتابه هذا على أقل تقدير.

لذا يمكن الجزم أن الكتاب أقرب أن يكون سيرة للأطباء الذين عاصروا الخلفاء. فالكاتب لم يتحدث مطلقا عن حريق مكتبة الإسكندرية في النسخة العربية ما عدا نسخة اليسوعي التي أشرنا لها، وعندما كتب عن الفاروق عمر بن الخطاب، كان الحديث لا يتجاوز الصفحة الواحدة، ولا يتضمن معلومات اكثر من تلك التي يعرفها طالب في الابتدائية عن ظهر قلب. ولم يتحدث عن علاقة العمرين ببعضهما. وقد ذكر د. نبيل لوقا بباوي حول ما نسب لابن العبري حول قيام عمر بن العاص بحرق مكتبة الإسكندرية " وجدت هذا الخبر في دائرة المعارف البريطانية الطبعة/11 ثم حُذف من دائرة المعارف البريطانية في الطبعة/14 بعد أن تأكد المحققون من عدم صدق الخبر". (مقال بعنوان: هل أحرق عمر بن العاص مكتبة المستنصرية؟).

 

ابن النديم

عاش في بغداد وكان أديبا ومصنفا ونسحا وخطاطا وجامع كتب، ورث المهنة عن أبيه، تتلمذ على يد السيرافي وعلي بن هارون، له كتاب الفهرست الذي جمع فيه وصنف الكتب والدراسات العربية، ويعتبر ثاني كتاب في التصنيف بعد كتاب طبقات الشعراء. وهو أول من أدخل كلمة الفهرست الفارسية الى العربية. ومن المعروف عنه تشيعه، لم يتتلمذ على أي من علماء أهل السنة، كان يسمي الشيعة (الخاصة) واهل السنة (العوام) والحشوية، ويرفض استخدام تعبير أهل السنة، وكان يضيف على الأئمة لقب (ع)، ويسمي الرضا (مولانا). قال الحافظ ابن حجر" هذا أوضح الأدلة على أن النديم رافضي، لأن هذه طريقتهم يسمون أهل السنة عامة، وأهل الرفض خاصة". (لسان الميزان5/268).

وقال عنه عباس القمي" هو أبو الفرج محمد بن اسحاق النديم المعروف بابن ابى يعقوب الوراق النديم البغدادي الكاتب الفاضل الخبير المتبحر الماهر الشيعي الامامي مصنف كتاب الفهرست الذي جود فيه واستوعب استيعابا يدل على اطلاعه على فنون من العلم وتحققه بجميع الكتب، حكي انه كانت ولادته في جمادي الآخرة سنة 297 وتوفي يوم الاربعاء لعشر بقين من شعبان سنة 385". (الكنى والألقاب/425).

يحتوي كتابه على عشر مقالات من بينها المقالة الثالثة وتضم الكتب التأريخية والسير والجغرافيا وأخبار الإخباريين والملوك والندماء وآدابهم وسيرهو وأنسابهم. لذا فهو ليس مؤرخ بقدر ما هو مصنف، نقل اسماء الكتب والأخبار. ويبدو أن تشيعه والإفراط في محبة آل البيت، ومجافاة أهل السنة بما فيهم العلماء، جعل يضرب العمرين (الفاروق وابن العاص) بحجرة واحدة، فنقل الخبر على علاته من ابن العبري وعبد اللطيف البغدادي دون سند أو تحقيق.

 

ابن القفطي

جاء كلامه عن المكتبة في معرض حديثه عن يحي النحوي وعلاقته بعمرو بن العاص على الرغم من احدهما عاش في الحجاز والأخر في مصر. والحقيقة ان إبن العاص لم يعاصر النحوي مطلقا. فقد ولد عمر بن العاص عام (592م ـ682م) وكان فتح مصر عام (21هـ/642م) ووقع على معاهدة الاسكندرية مع المقوقس في نفس السنة.

من الجدير بالإشارة أن العلامة (كريل) في دائرة المعارف البريطانية (ح/9 القسم التاسع 1764 ـ 1795) ذكر" من المحتمل أن يكون يوحنا النحوي قد ولد سنى 470 م، في إحدى المدينتين الواقعتين على البحر الأسود، وسافر وهو شابا الى الاسكندرية وتتلمذ على يد (أمونيوس)، ومن جماعته في الدراسة (سنبلقيوس)، و(اولمفيودورس). وانه اعتنق المسيحية عام 520 م". ورجح ان تكون وفاته ما بين عام 601 ـ 603 م. وهذا يعني أنه إذا افترضنا سفره للإسكندرية وهو شاب بحوالي (20) عاما، فهذا يعني انه كان في الإسكندرية عام 490 ميلادي. أي قبل فتح الإسكندرية بحوالي (152) عاما، وقبل ان يولد عمر بن العاص بحوالي (172) عاما. مما يبطل الروايات كلها. كما ذكر السيد حسين القابجي في مقال له نشره عام 2010 بعنوان (أول فيلسوف مسيحي اتبع المذهب الارسططالي) الآتي" إن الفيلسوف يحيى النحوي لم يلقَ عمرو بن العاص حين فتح الإسكندرية في سنة 640 م، ولم يعش مطلقاً في القرن السابع الميلادي والذي يدل على هذا أمران:

الأول: ما ذكره يحيى النحوي نفسه في كتابه ((في قدم العالم ضد ابرقلس/579) من انه يكتب هذا الكلام في سنة 529 م. قد كتب هذا التاريخ بالحروف، لا بالأرقام، مما يمنع أي تحريف أو غلط.

الثاني: ما ذكره يحيى النحوي في شرحه على (السماع الطبيعي) لأرسطو، حيث ذكر يوم العاشر من مايو سنة 517 م (شرح السماع الطبيعي/703).

شبكة البصرة

الاربعاء 29 ربيع الاول 1446 / 2 تشرين الاول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط

print