العالم احتفل قبل أيام، في 15 سبتمبر باليوم الدولي للديمقراطية الذي حددته
الأمم المتحدة. يستغرب المرء أي ديمقراطية يحتفل بها العالم هذا العام في الوقت
الذي تذبح فيه الديمقراطية وتداس بالأقدام كما لم يحدث من قبل في تاريخ العالم.
الديمقراطية جوهرها احترام حقوق الانسان وحرياته. أبسط حقوق الانسان واكبرها
على الاطلاق حقه في الحياة الكريمة وحقه في الحرية وتقرير مصيره.
في غزة يتابع العالم كله وعلى امتداد ما يقرب من عام كامل اكبر مذبحة في
التاريخ لحقوق الانسان.. اكبر حرب إبادة جماعية للفلسطينيين ولغزة بأسرها.
ليس هناك أي حق من حقوق الانسان الا وذبحه الكيان الاسرائيلي بوحشية وهمجية على
ارض غزة. حرم مئات الالاف الذين سقطوا شهداء وجرحى من حق الحياة.. قتل حق
الأطفال وكل اهل غزة في التعليم، و في الرعاية الصحية، وفي السكن الآمن..
وهكذا. دمر المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين ومخازن الغذاء وكل منشأة
استطاع تدميرها في غزة.
فعل الكيان الإسرائيلي هذا عن عمد تام، أي بقصد الإبادة الجماعية لغزة وأهلها.
الكيان الإسرائيلي تعمد تجويع الفلسطينين وترك أطفالا يموتون جوعا في اطار حرب
الابادة.
الكيان لم يتردد لحظة في ان يقتل عن عمد كل من ينقل الصورة الحقيقية للجرائم
الوحشية التي يرتكبها، وكل من يحاول حماية حق الفلسطيينيين في الحياة.. تعمد
قتل عمال الإغاثة الانسانية، والصحفيين والمراسلين، واي افراد دوليين موجودين
على ارض غزة العاملين في منظمات الإغاثة.. الخ
الدول الغربية التي تزعم انها تمثل النموذج العالمي المثالي للديمقراطية، وتدعو
دول العالم الى الأخذ بديمقراطيتها، لم تكتف بتأييد الإبادة الجماعية
الاسرائيلية في غزة، وكل هذا القتل الوحشي لأبسط حقوق الانسان، بل شاركت في
ارتكاب جرائم الإبادة بأسلحتها وبدعمها السياسي والإعلامي للاسرائيليين مرتكبي
هذه الجرائم.
ما يفعله الغرب وما يجري في غزة فضح كل مزاعم الدول الغربية عن الديمقراطية
واحترام حقوق الانسان، وأظهر الغرب على حقيقته العنصرية الوحشية.
الغرب الذي لم يجد أي بأس في إبادة غزة وأهلها ويشارك في هذه الإبادة، حين يفعل
هذا ففي عقيدته ان اليهود احق بالحياة من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وانه
بالمقارنة باليهود ليس للفلسطينيين حقوق، وانه في سبيل اليهود يجوز إبادة
الفلسطينيين والعرب وحرمانهم من أي حق على الاطلاق.
العالم بكل منظماته الدولية وبكل قوانينه وقراراته الدولية والذي يتابع لحظة
بلحظة هذه الجرائم، يقف عاجزا عن معاقبة المجرمين وعن حماية شعب فلسطين من
الإبادة على الرغم من كل التقارير الدولية والقرارات التي اتخذتها محكمة العدل
والمحكمة الجنائية الدولية. العالم كله خضع لارهاب الغرب بوحشيته وعنصريته
واصراره على حماية المجرمين الإسرائيليين والمشاركة في جرائمهم.
الأمر العجيب انه في الوقت الذي يتابع فيه العالم كله هذا الذبح الوحشي
للديمقراطية وهذه الإبادة الجماعية في غزة، اختارت الأمم المتحدة موضوع "
الذكاء الاصطناعي " موضوعا لليوم الدولي للديمقراطية هذا العام. وتحدث الأمين
العام جوتيريش عن المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي "دون رادع"، الذي قد
يكون له آثار "خطيرة" على الديمقراطية والسلام والاستقرار، وانتشار المعلومات
"المغلوطة والمضللة وخطاب الكراهية، واستخدام ما يسمى بالتزييف العميق".
طبعا من المهم مناقشة اخطار او منافع الذكاء الاصطناعي بشكل عام، لكن هذا
اختيار في غاية السوء كموضوع ليوم الديمقراطية. الذكاء الاصطناعي ليس هو الذي
يقتل ويذبح ويدمر ويبيد في غزة.
كان اليوم الدولي للديمقراطية مناسبة كي تحاول الأمم المتحدة ايقاظ العالم
والضمير العالمي في هذا اليوم على شناعة ما يجري وما تتعرض له الديمقراطية وكل
قيم ومباديء الديمقراطية وحقوق الانسان في غزة. لكن الأمم المتحدة فضلت الهروب
الى الذكاء الاصطناعي. |