* سوء استخدام الذكاء الاصطناعي سيكلف العالم 10 تريليونات دولار في 2925
* الإعلام الوطني دوره حاسم في مواجهة حملات التضليل وعلى الحكومات ان تدعمه
* الإعلام الزائف المضلل اصبح صناعة مربحة لاستهداف الدول والمجتمعات
* "التزييف العميق" وسيلة لاثارة الفوضى والعنف وهدم القيم
* قبل التفكير في الرقابة يجب الاهتمام بالتوعية العامة وتحصين المجتمع
من أهم القضايا التي ناقشها المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي ينظمه المكتب
الإعلامي لحكومة الشارقة في دورة هذا العام قضية "حرب المعلومات".
"حرب المعلومات" أصبحت من أخطر الحروب التي تهدد الدول والمجتمعات اليوم.
هي من اخطر الحروب لأنه يتم فيها استخدام كل صور واشكال التزييف والتضليل
الإعلامي والسياسي والأخبار والمعلمات الكاذبة.
والأمر الذي يفاقم خطورة حرب المعلومات التقنيات والتطورات التكنولوجية الحديثة
التي أصبحت تستخدم في التزييف والتزوير وبالأخص الذكاء الاصطناعي والتزييف
العميق وغيرها. هذه التقنيات جعلت من الصعب في اغلب الأحيان التمييز بين
الحقيقة والأكاذيب وبين ما هو صحيح وما هو زائف.
حرب المعلومات أصبحت من أخطر الأدوات التي تلجأ لها دول ومنظمات وعصابات
إجرامية تستهدف من خلالها دولا ومجتمعات وافرادا. حرب المعلومات أصبحت تلحق
دمارا هائلا بالدول والمجتعات والأفراد في كل المجالات.
المنتدى الدولي للاتصال الحكومي ناقش القضية بتوسع في اكثر من جلسة ومن اكثر من
جانب.
***
تحديات حرب المعلومات
"حرب المعلومات وتحديات عولمة الاتصال" من اهم الجلسات التي عقدت في اطار
المنتدى، وتحث فيها عدد من المسئولين والخبراء اثاروا قضايا في غاية الأهمية.
الدكتور جمال الكعبي مدير عام المكتب الوطني للإعلام في دولة الإمارات في حديثه
حول التضليل الإعلامي اكد خصوصا على مسئولية الحكومات في هذا المجال. قال ان
هذه مسئولية أساسية وضرب مثالا بالامارات حيث أنشأت الحكومة قنوات متعددة
لإيصال المعلومات الموثوقة والحقيقية بلغة بسيطة وسهلة تصل لجميع فئات المجتمع،
بغض النظر عن مستويات تعليمهم وفئاتهم.
وأضاف الكعبي: "الحكومة الإماراتية ساهمت في توحيد المجتمع بكل أطيافه من خلال
رسم صورة موثوقة للمعلومات التي تصدر عن الحكومة، مما عزز ثقة الناس بالقنوات
الحكومية الرسمية كما نجحت الإمارات في تدريب الكوادر الوطنية للتعامل مع
الأزمات المرتبطة بالمعلومات وتحديات الاتصال، وهي تمتلك بنية تحتية تقنية
متطورة تضمن وصول الجميع إلى المعلومات الحقيقية".
الدكتور حميد مجول النعيمي مدير جامعة الشارقة قال: "تكنولوجيا الاتصال ستظل
حديثة حتى بعد مئة عام، نظراً لتجددها المستمر في كل ساعة، والطلبة في مرحلة
الجامعة يستخدمون أجهزة الاتصال بمعدل ست إلى سبع ساعات يومياً، مما يستدعي
مواجهة المعلومات المضللة. ودعا إلى ضرورة توفير شبكة إنترنت قوية في الجامعات،
فالعام 2020 كان من أكثر السنوات التي شهدت انتشاراً للمعلومات المضللة بسبب
الأحداث الكبرى مثل جائحة كوفيد-19".
ودعا النعيمي الجامعات إلى وضع سياسات لاستخدام التقنيات المتجددة، وإنشاء
إدارات خاصة لمكافحة المعلومات المضللة، وتوعية الجمهور بمخاطرها. كما أشار إلى
جهود جامعة الشارقة في تنظيم ورش عمل لزيادة الوعي، وتشجيع الباحثين والطلاب
على كتابة الأبحاث والدراسات حول مواجهة المعلومات المضللة وسبل التعامل معها،
وتعزيز مهارات التفكير النقدي في قطاع تكنولوجيا الاتصال التي تفرض نهجاً
جديداً للتعليم والتعلم يتجاوز الحدود التقليدية.
هيلين ماكلهيني المديرة التنفيذية لشبكة
CDAC،
وهي تحالف عالمي لوصول المعلومات الموثوقة للعالم اثارت جانب مهما يتعلق بتأثير
قنوات التواصل والمعلومات المضللة على العمل الإنساني. قالت: "في عصر قنوات
التواصل الاجتماعي نحصل على الأخبار من مختلف المنصات التي تصاغ فيها الأخبار
بأسلوب مختلف تماماً عن الطريقة التقليدية. هذا التغيير الكبير أثر بشكل ملحوظ
على وكالات العمل الإنساني، حيث رأينا تأثيراً سلبياً وتحديات كبيرة نتيجة
للمحتوى المتلاعب به في المعلومات خلال بعض الأزمات والكوارث".
وقالت ان "وسائل الإعلام الزائفة أصبحت عملاً مربحاً للبعض، وهي تضع مجتمع
العمل الإنساني أمام تحديات كبيرة؛ فالناس يجدون صعوبة كبيرة في معرفة من يجب
أن يثقوا به في حالات الطوارئ، ومن الضروري أن يستقي العاملون في العمل
الإنساني معلوماتهم من مصادر موثوقة، وأن يصدروا المعلومات إلى الناس بموثوقية،
لتقديم المعلومات التي تساعد وتبني الأمل في المصابين في تلك الكوارث".
وبشكل عام اكد المتحدثون في الجلسة على انه في مواجهة المعلومات المصللة يجب
تعزيز الوعي المجتمعي، وتطوير القدرات الوطنية في مجال مكافحة الشائعات،
والاستفادة من التقنيات المتقدمة في التحقق من المعلومات.
في سياق الحديث عن حرب المعلومات والتضليل والتزييف، اكد كثير من المتحدثين على
الأهمية الكبرى للدور الذي يلعبنه الاعلام الوطني.
تحدث الشيخ عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، رئيس
مجلس إدارة مجلس الإمارات للإعلام، عن دور الاعلام وقال ان الإعلام الوطني
سيمفونية تتناغم فيها مختلف الأصوات لإنتاج لحن واحد يعبر عن هوية الوطن
وطموحاته، مشدداً على أهمية الإعلام في بناء مجتمعات متماسكة وقوية.
وقالان الاعلام عنصر أساسي في الوعي؛ فالمعلومات تجوب العالم وتعبر القارات دون
حواجز، والتكنولوجيا الرقمية تركت بصمتها على حياتنا وعلى تعلمنا/. وأضاف ان
الإعلام قادرً على مواجهة المعلومات المضللة وتوعية المجتمع، خاصة في عصر
الإعلام الرقمي وعصر الذكاء الاصطناعي
حدديثه وحديث آخرين في جلسات أخرى عن الاعلام الوطني ودوره كانت الفكرة
الجوهرية فيها ان الإعلام الوطني دوره حاسم في حرب المعلومات وفي مواجهة حملات
التضليل والتزييف، فهو الذي يكرس الوعي الوطني السليم وبمقدوره تحصين المجتمع
ضد المعلومات المضللة والتوعية بأخطارها وهو قادر على تقديم الحقائق والمعلومات
الموثوقة ومواجهة هذه الحملات، ولهذا يجب ان يحظى بأكبر دعم من الدولة.
***
تأثيرات مدمرة للإقتصاد
ابتسام السعدي، مديرة السياسات والتشريعات الصناعية بوزارة الصناعة
والتكنولوجيا المتقدمة في الامارات تحدثت عن جانب مهم لا بد من التوقف عنده عند
الحديث عن قضية المعلومات المضللة وهو تأثيرها على الاقتصاد والقطاع الصناعي
خصوصا.
قالت أن انتشار المعلومات المغلوطة يجعل من الصعب على الأفراد التمييز بين
الحقائق والإشاعات، مما يؤثر سلباً على القطاع الصناعي. وعلى سبيل المثال، كثير
من الإماراتيين لا يعرفون كثيراً عن صادرات الدولة، مما دفع الوزارة إلى تكثيف
جهودها لتوعية الجمهور بأن القطاع الصناعي مفتوح للجميع، وليس كما يعتقد البعض
أنه قطاع معقد أو يهيمن عليه كبار المستثمرين فقط.
***
الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق
من الجلسات المهمة جدا التي شهدها المنتدى جلسة بعنوان "الحكومات المرنة تبني
دروعاً واقية بالذكاء الاصطناعي..ما السبب؟"،
أهمية هذه الجلسة ان الذين تحدثوا فيها هم من اهم الخبراء في هذا المجال في
العالم.
قبل ان نعرض لأهم ما قاله هؤلاء الخبراء نشير الى ارقام صادمة اعلنوها في
الجلسة. قالوا ان سوء استخدام الذكاء الاصطناعي كلف العالم 3 تريليونات دولار
عام 2015، ومن المتوقع أن تصل التكلفة إلى 10 تريليونات بحلول عام 2025، و أن
"التزييف العميق" ازداد بنسبة 550% من عام 2019 إلى 2023.
هيكتور مونسيجور مؤسس شركة ناشئة في مجال الأمن السيبراني قال: "إن التزييف
العميق والذكاء الاصطناعي ليسا بجديدين، ولكن الفارق أنها أصبحت الآن وسائل
متاحة ومتوفرة، ولذلك يمكن استغلالها وتطويرها والتفاعل معها من الأشخاص
العاديين". أي انه اصبح بمقدور أي احد ان يستغلها.
وأضاف: "يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يحمل معه منافع وأغراض جيدة مثل القيام
بالترجمة وفتح مجالات جديدة للتعليم، لكن لا يمكن إغفال الجانب السلبي منه،
فهنالك أشخاص يستخدمونه لأهدافهم الخاصة، ولديهم نوايا تخريبية وغير سليمة".
الدكتور نادر الغزال الأكاديمي والخبير في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
تحدث عن التزييف العميق وقال انها مسألة حساسة تحمل الكثير من المخاوف والمخاطر
وأن استخدامه في الخداع المالي أو نشر الأكاذيب أو غيرها من الأمور، أصبح يعرض
سلامة الأفراد وأسس المجتمعات وقيمها للخطر، فهو يقوض الثقة، ويتلاعب بالمشاعر
العامة، كما أن له قدرة كبيرة على إثارة الفوضى والعنف على نطاق واسع نظراً
لتأثيره على الرأي العام.
وقال انه: "في الوقت الذي تظهر فيه مخاطر الذكاء الاصطناعي، نجد أن هناك
إيجابيات ؛ فهناك مجالات يمكن تطويع الذكاء الاصطناعي من خلالها لخدمة
الحكومات، إلا أنه من الضروري توعية موظفي الحكومات بكيفية تجنب التزييف
العميق".
عن التزييف العميق تحدث أيضا ألان سيمثسون المؤسس والمشارك للميتا فيرس وقال:
أن بعض المبرمجين ينفقون وقتاً على التزييف العميق بالدخول إلى الإنترنت وتنفيذ
مقاطع فيديو أو صوت بشكل مجاني. وفي الوقت الذي يبدو فيه التزييف العميق ذو
خطورة كبيرة، إلا أن البعض يطوّعه ويستخدمه في جوانب إيجابية.
وأكد على أهمية عدم استخدام تلك التقنية لأسباب سيئة؛ لاسيما وأن التزييف
العميق يمكن من خلاله تحويل مقطع صوتي إلى عدة لغات وبالتالي يفيد في عملية
الترجمة وتحويل الخطابات وغيرها إلى عدة لغات مثلما فعل سياسي هندي عام 2020،
إلا أنه يمكن إساءة استخدامه أيضاً عبر نشر معلومات غير حقيقية. وبالتالي
فالخلاصة أن هذه التكنولوجيا ليست جيدة أو سيئة لكن يجب استخدامها من الحكومات
للخير وليس الشر.
وعن المخاطر الكبيرة للتزييف العميق قال ان من بينها خسارة الثقة بالإعلام
ومصادر الأخبار، وهذا يمكن أن يؤثر على نتائج الانتخابات أو يثير فوضى
واضطرابات، وربما يتسبب في إغلاق السوق المالي، وغيرها من الأزمات.
وقال الدكتور إنهايوك تشا، الأستاذ بمعهد غوانغجو للعلوم والتكنولوجيا، ونائب
الرئيس عن التعاون العالمي في كوريا الجنوبية إن طبيعة البشر تتمثل في قصّ
الحكايات ورغبتهم بأن يكونوا مسموعين، وفكرة مثل "التزييف العميق" ساهمت في
مضاعفة هذه الرغبة، ولكن السؤال هو: أي نوع من القصص قابل للتصديق؟
وأضاف: "أعتقد أن الحكومات يجب أن تفكر بهذا الأمر ولماذا يفعل بعض البشر ذلك،
مؤكداً أنه قبل الوصول إلى أي نظام رقابي؛ فإنه على الحكومات التفكير بالنزعات
البشرية الأساسية وفهم الطرق البديلة لتوجيه سلوك الناس ليصبح أكثر إيجابية.
***
كما نرى من هذه الحقائق والأبعاد التي تم عرضها في المنتدى، تعتبر قضية حرب
المعلومات ومواجهة حملات التزييف والتضليل من أهم وأخطر القضايا التي يجب ان
تهتم بها الحكومات وتعطي للتعامل معها ومواجهتها أولوية كبرى. |