نزهة المشتاق للشريف الادريسي
ذكر الادريسي" أما الإسكندرية فهي مدينة بناها الإسكندر وبه سميت وهي مدينة على
نحر البحر الملح وبها آثار عجيبة ورسوم قائمة تشهد لبانيها بالملك والقدرة
وتعرب عن تمكن وبصر وهي حصينة الأسوار نامية الأشجار جليلة المقدار كثيرة
العمارة رائجة التجارة شامخة البناء رائعة المغنى شوارعها فساح وعقائد بنيانها
صحاح وفرش دورها بالرخام والمرمر وحنايا أبنيتها بالعمد المشمر وأسواقها كثيرة
الاتساع ومزارعها واسعة الانتفاع والنيل الغربي منها يدخل تحت أقبية دورها كلها
وتتصل دواميس بعضها ببعض وهي في ذاتها كثيرة الضياء متقنة الأشياء وفيها
المنارة التي ليس على قرار الأرض مثلها بنيانا ولا أوثق منها عقدا أحجارها من
صميم الكدان وقد أفرغ الرصاص في أوصالها فبعضها مرتبط ببعض معقود لا ينفك
التئامها والبحر يصدم أحجارها من الجهة الشمالية وبين هذه المنارة وبين المدينة
ميل في البحر وفي البر ثلاثة أميال وارتفاع هذه المنارة ثلاثمائة ذراع بالرشاشي
وهو ثلاثة أشبار وذلك أن طولها كله مائة قامة منها ست وتسعون قامة إلى القبة
التي في أعلاها وطول القبة أربع قامات ومن الأرض إلى الحزام الأوسط سبعون قامة
سواء ومن الحزام الأوسط إلى أعلاها ست وعشرون قامة يدخل الضوء عليها من خارج
إلى داخل بحيث يبصر الصاعد فيها حيث يضع قدميه حين يصعد فيها وهذه المنارة من
عجائب بنيان الدنيا علوا ووثاقة والمنفعة فيها أنها علم توقد النار بها في
وسطها بالليل والنهار في أوقات سفر المراكب فيرى أهل المراكب تلك النار بالليل
والنهار فيعملون عليها وترى من بعد مجرى لأنها تظهر بالليل كالنجم وبالنهار يرى
منها دخان وذلك أن مدينة الإسكندرية في قعر الجون متصلة بها أوطئة وصحار متصلة
لا جبل بها ولا علامة يستدل بها عليها ولولا تلك النار لضلت أكثر المراكب عن
القصد إليها وهذه النار تسمى فانوسا ويقال إن الذي بنى هذه المنارة هو الذي بنى
الأهرام التي في حد مدينة الفسطاط من غربي النيل ويقال أيضا إنها من بنيان
الإسكندر عند بنيان الإسكندرية والله أعلم بصحيح ذلك وبالإسكندرية المسلتان
وهما جران على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس
قيم وعرض قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط الكل أربعون شبرا وعليها كتابات
بالخط السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما منحوتتان من حجر جبل بريم في بلاد
مصر وعليها مكتوب أنا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش ولا موت
ذريع ولا شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ الناس لا يعرفون لهم ربا إلا يعمر
فأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين
كانوا بها بما أجعله فيها من الآثار المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي
ومقدام بن الغمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعا منه حجرين
وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع الثبوت فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له
وأقامهما لي الفطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة وهذه المسلة الواحدة في
ركن البلد من الجهة الشرقية والثانية من هذه المسلات أيضا في بعض المدينة وقيل
إن المجلس الذي بجنوب الإسكندرية المنسوب إلى سليمان بن داود أن يعمر بن شداد
بناه ويقال أيضا إن سليمان بن داود حجران على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من
أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس قيم وعرض قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط
الكل أربعون شبرا وعليها كتابات بالخط السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما
منحوتتان من حجر جبل بريم في بلاد مصر وعليها مكتوب أنا يعمر بن شداد بنيت هذه
المدينة حين لا هرم فاش ولا موت ذريع ولا شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ
الناس لا يعرفون لهم ربا إلا يعمر فأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست
أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين كانوا بها بما أجعله فيها من الآثار
المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي ومقدام بن الغمر بن أبي رغال الثمودي إلى
جبل بريم الأحمر فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع الثبوت
فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له وأقامهما لي الفطن بن جارود المؤتفكي في يوم
السعادة وهذه المسلة الواحدة في ركن البلد من الجهة الشرقية والثانية من هذه
المسلات أيضا في بعض المدينة وقيل إن المجلس الذي بجنوب الإسكندرية المنسوب إلى
سليمان بن داود أن يعمر بن شداد بناه ويقال أيضا إن سليمان بن داود بناه
وأسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن وصفته أنه مجلس مربع الطول في كل رأس منه
ست عشرة سارية وفي الجانبين المتطاولين منه سبع وستون سارية وفي الركن الشمالي
منه اسطوانة عظيمة ورأسها عليها وفي أسفلها قاعدة رخام في محيط تربيع وجوهها
ثمانون شبرا في عرض كل وجه عشرون شبرا في ارتفاع ثمانين شبرا ودور محيط هذه
السارية أربعون شبرا وطولها من القاعدة إلى رأسها تسع قيم والرأس منقوش مخرم
بأحكم صنعة وأتقن وضع ولا أخت لها ولا يعلم أحد من أهل الإسكندرية ولا من أهل
مصر ما المراد بوضعها مفردة في مكانها وهي الآن مائلة ميلا كثيرا لكنها ثابتة
آمنة من السقوط والإسكندرية من عمالة مصر وقاعدة من قواعدها". (نزهة
المشتاق/321). واضاف " ولأهل الإسكندرية في بحرهم سمكة مخططة لذيذة الطعم تسمى
العروس إذا أكلت مشوية أو مطبوخة رأى آكلها في نومه كأنه يؤتى إن لم يتناول
عليها شيئا من الشراب أو يكثر من أكل العسل". (المصدر السابق1/344).
الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري
قال الحميري" مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي
على ساحل البحر الملح، وذلك أن الإسكندر لما استقام له الملك في بلاده وهي رومة
وما والاها من بلاد الروم وكان رومياً فيما يقال خرج يختار أرضاً صحيحة الهواء
والتربة والماء ليبني فيها مدينة يسكنها فأتى موضع الإسكندرية فأصاب فيها أثر
بنيان وعمد رخام منها عمود عظيم عليه مكتوب بالقلم المسند وهو القلم الأول من
أقلام حمير وملوك عاد: أنا شداد بن عاد، شددت بساعدي الواد..... الخ. بنى
أسوارها من أنواع الرخام الأبيض والملون وكذلك جميع قصورها ودورها فكانت تضيء
بالليل بغير مصباح لشدة بياض الرخام وربما علق على أسوارها وقصورها شقق الحرير
الأخضر لاختطاف بياضها أبصار الناس، وبنى الاسكندر عليها سبعة أسوار أمام كل
سور خندق وسور فصيل، فيقال إنها كانت أعظم مدينة بنيت في معمور الأرض وأغربها
بنياناً. وبنى المنار الذي ليس على قرار الأرض مثله على طرف اللسان الداخل في
البحر من البر وجعله على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وجعل
طوله في الهواء ألف ذراع وجعل في أعلاه المرآة، وكانت المرآة قد ركبت من أخلاط
عجيبة غريبة فيبصر فيها ما يأتي من مراكب العدو على مسيرة أيام فيتأهب لهم فإن
قربت المراكب من البلد عملت أخلاط بأدهان يعرفونها وطليت بها المرآة وعكس
شعاعها على تلك المراكب فأحرقها وجعل في المنار تماثيل من نحاس وطلاسم كثيرة
تمنع وتدفع ولها خواص، منها تمثال مشير بيده نحو العدو فإذا صار منه على مقدار
ليلة فإن دنا وأمكن أن يرى بالبصر سمع لذلك التمثال صوت هائل على ميلين وثلاثة،
وتمثال آخر كلما مضى من الليل أو من النهار ساعة سمع له صوت طرب بخلاف الصوت
الذي كان منه قبل ذلك، فمن الناس من يرى أن هذه المنارة من بناء الإسكندر ومنهم
من يرى أن دلوكه الملكة بنتها ومنهم من يرى أن جيرون الملك بناها، وقيل إن الذي
بنى الأهرام بمصر بناها، كان حول المنار مغايص يستخرج منها أنواع الأحجار، يتخذ
منها فصوص الخواتم، وكان حول المنارة من تلك الجواهر كثير، فيقال إن الإسكندر
غرق ذلك حول المنار ليوجد هناك إذا طلب فيكون ذلك الموضع أبقى لها ويرى الناس
على مر الدهر عظم ملكه وما قدر عليه من وجود ما عز عند غيره، وقيل إنها كانت
آلات شراب الإسكندر فلما مات كسرتها أمه ورمتها في تلك المواضع غيرة أن لا تصير
لأحد بعده. والقصر الأعظم الذي بالإسكندرية الذي لا نظير له في معمور الأرض
اليوم خراب، وهو على ربوة عظيمة بإزاء باب الموسم، طوله خمسمائة ذراع وعرضه على
النصف من ذلك، ولم يبق منه إلا بعض سواريه. ورئي بالإسكندرية قصاب عنده ضرس
إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. وكان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم
أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم وأخذ
آرائهم". (الروض المعطار1/54)، أضاف الحميري "منارة الإسكندرية، وضعه الله
تعالى على يد من سخره لذلك آية للمتوسمين وهداية للمسافرين، ولولاه ما اهتدوا
في البحر إلى بر الإسكندرية، ويظهر على أزيد من سبعين ميلاً، ومبناه في نهاية
من الوثاقة طولاً وعرضاً، قيس أحد جوانبه الأربع فوجد نيفاً على خمسين باعاً،
ويذكر أن طوله أزيد من مائة وخمسين قامة، وداخله مرأى هائل، اتساع معارج
ودواخل، وكثرة مساكن، حتى أن المتصرف فيها والوالج في مسالكها ربما ضل، وفي
أعلاه مسجد موصوف بالبركة يتبرك الناس بالصلاة فيه". (المصدر السابق/550).
ويقال" إن أسقفاً كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن لما بلغه قدوم عمرو
بالمسلمين إلى بلاد مصر، كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقي
عمرو بالطاعة له، فأطاعه كثير من القبط، فاستعان بهم على من سواهم". (المصدر
السابق/553).
حدود العالم من الشرق الى المغرب. كاتب مجهول
قال الكاتب المجهول "الاسكندرية مدينة متصلة ببحر الروم من جهة وبحيرة تنيس من
جهة، وفيها منارة يقال إن ارتفاعها مئتا ذراع، مرتكزة على صخرة وسط الماء، وهي
تتحرك كلما هبّ النسيم بحيث لا يمكن رؤية ذلك". (حدود العالم/78).
الاسكندرية في كتاب صورة الأرض لإبن حوقل
قال ابن حوقل "من مشاهير مدن مصر وعجيب آثارها الإسكندريّة وهى مدينة على نحر
بحر الروم رسومها بيّنة وآثار أهلها ظاهرة تنطق عن ملك وقدرة وتعرف عن تمكّن فى
البلاد وسموّ ونصرة وتفصح عن عظة وعبرة كبيرة الحجارة جليلة العمارة وبها من
العمد العظام وأنواع الأحجار الرخام الذي لا تقلّ القطعة منه إلّا بألوف ناس قد
علقت بين السماء والأرض على فوق المائة ذراع ممّا يكون الحجر منها فوق رؤوس
أساطين دائر الأسطوانة منها ما بين الخمس عشرة ذراعا الى عشرين ذراعا والحجر
فوقه في عشر أذرع في سمك عشر أذرع بغرائب الألوان وبدائع الأصباغ،
فلو سئلت عن أهلها لرأيتها... مخبّرة من حالهم بالعظائم
ولها طرقات مفروشة بأنواع الرخام والحجر الملوّن وفى بيعها عمد لصفاء صقاله
وحسن ألوانه يبين كالزمرّد الأخضر وكالجزع الأصفر منه والأحمر وجلّ أبنيتها
بالعمد المسمّر ومنه شيء على قضبان نحاس قد دبّر بأنواع أخلاط لئلّا يغيّره
الزمان وتحت الأسطوانة منه الثلاثة سرطانات نحاس وأربعة والاسطوانة في الهواء
عليها ضروب الصور المعروفة والمجهولة، وفيها المنارة المشهورة المبنيّة
بالحجارة المركّبة المضبّبة بالرصاص وليس بجميع الأرض لمنارتها نظير يدانيها أو
يقاربها في أشكالها ومبانيها وعجائبها ومعانيها تشتمل على آية بيّنة ويستدلّ
بها على مملكة كانت قاهرة لملك عظيم ذي حال جسيم وسلطان عقيم، وهى المنارة
المشهورة في جمهور الأرض أخبارها التي جميع العامّة والخاصّة من أهل الدراية
مجمعون على أنّ مؤسّسها اخترعها لرصد الفلك وأدرك ما أدركه من علم الهيئة بها
وفيها وجميع ما أخبر به من حال الفلك فإنّما حصل له ولمن خلفه بانكشاف فضائها
وسعة سمائها وقلّة أبخرة صحرائها لأنّ لكلّ ارض سرابا على مقدارها وليس لها
سراب، وسمكها كان يزيد على ثلاثمائة ذراع فوقعت منه قبّة عظيمة كانت رأس
المنارة لطول العهد لا كما يدّعى المحاليّون في حماقات ورقاعات مصنّفة أنّها
بنيت لمرآة كانت فيها يرى سائر ما يدخل الى بحر الروم من درمون حمّال الى شلندى
مستعدّ للقتال ويزعم قوم أنّ بانيها وبانى الهرمين ملك واحد ويروى آخرون غير
ذلك". (صورة الأرض/151).
الإسكندرية في كتاب العمري (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)
قال العمري" الاسكندرية مدينة قديمة جليلة عظيمة وكانت في القديم أكبر مما هي
الآن وأعظم في كثرة الأهل والبنيان، بناها الاسكندر ذو القرنين على شاطئ البحر
الرومي، وكان بها على ما يقال سرير ملكه ومستقر أمة وجميع بنايتها بالحجر
والكلس، مبيضة البيوت باطنا وظاهرا، كأنها الحمامة البيضاء، ذات شوارع مشرعة
الأرجاء، كل خط بذاته كأنها رقعة الشطرنج، يستدير بها أسوار متمنعة، وبروج
محصنة، عليها الستائر المسترة، والمجانيق المنصوبة، وبها عسكر مستخدم لحفظها،
وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها مرسوم بنيابة السلطنة سوى الإسكندرية لا
يزال أهلها على يقظة من أمور البحر، ومخالسة العدو، وبها الديار الجليلة،
والجوامع والمساجد، والربط والخوانق، والمشاهد والفنادق، والرباع والأسواق
الممتدة، ومعامل البز والقماش والطرز الفائق المثل، إليها تهوى ركاب التجار برا
وبحرا من كل فج عميق ومكان سحيق، وليس في الدنيا نظير شربها، وطرازها المعمول
بها والمحمول إلى أقطار الأرض شرقا وغربا، منها من الحفير المنسوج بالذهب
والفضة والمقصب بالقصب، وطرد الوحش المنوع، والجر والمنقوش، والمنزج والمدفون
والديبقى والمساذج، والمفرح والمقاطع، والممرش والشرب الخام والمقصور وبدلات
المقانع وأنواع المقصبات والملون بالذهب والفضة والملاءات والغوط من كل ما لا
شبيه لرقمه ولا نظير لحسنه، يباع في كل يوم فيها بآلاف مؤلفة من الذهب الأحمر،
ولا ينفذ متاعها، ولا يقل موجودها وبالإسكندرية معاملة الدرهم السّواد حقيقة
مقصورا عليها لا يخرج من سواها ولا يتعدى حاضرة أسوارها، وهو فيها كل درهمين
سوداوين بدرهم واحد من نقد الدرهم المصري، يوجد بها الدراهم السود حقيقة اسم
على مسمى". (مسالك الابصار3/491). ويضيف والاسكندرية لها بحر خليج من النيل تصل
فيه المراكب من مصر إليها، ومنها إلى مصر، وفي أوان زيادة النيل يمتلئ هذا
الخليج، ويمد إلى صهاريج داخل المدينة معدة لاختزان الماء بها لشرب أهلها،
نافذة من بعض الدور إلى بعض يمكن النازل إلى صهريج منها الصعود من أي دار
اختار، وتحت الصهاريج الآبار النبع بالماء المملوح، فهي طبقات ثلاثة، طبقة
الآبار عليها طبقة الصهاريج عليها طبقة البناء ولا يعتني أهل الاسكندرية ببناء
الطبقات على أعالي أبنيتهم لقوة الأمطار بها، وتجويف قرارها. وعلى الاسكندرية
البساتين الأنيقة والغيطان الفساح وفيها لجلة أهلها القصور الناهدة والجواسق
الشاهقة، محصنة جميعها بأحكام البناء، وعلو الجدر خشية من طرّاق الفرنج ودعّار
العرب. وبها من الفواكه المنتجة الثمار وهي تفوق مصر بحسن ثمراتها، ورخص
الفواكه بها، وليس للإسكندرية من ازدراع القمح والشعير والحبوب إلا ما قل،
وغالب أقواتها محمول من أرياف مصر. ثم ملك الاسكندر فزاد في بنائها، وأطال في
منارتها وجعل فيها مرآة كان يرى منها مراكب العدو عن بعد، فإذا صارت بإزائها،
وصدمها شعاعها أحرقها كما تحرق المهاة في الشمس ما قابلها من الخرق، وإن لم
تتصل بها، فسميت الاسكندرية من حينئذ، وكان اسمها قبل ذلك وقوده، وبذلك يعرفها
القبط في كتبهم القديمة". (المصدر السابق3/492). وتحدث العمري عن قصة حول هدم
المرآة بعد غواية ملكها بوجود كنوز تحتها، وتحدث عن المنارة ومساحتها فقال" فقد
أصبحت كلها أثرا بعد عين، سقطت أعلامها، ومحيت آثارها، ولم يبق من المنارة، إلا
دون العشرين ذراعا، وأمر السلطان لها بالبناء، ولم يصرف إليها وجه الاعتناء
وليس الناطور الآن إلا في منارة استحدثت على كوم عال داخل السور يعرف بكوم معلى
لا له أساس ثابت ولا جدار معلى. وأما عمود الصواري فباق على حاله والطلل باق
على هائل ولا طائل، وهو من الاسكندرية على مسافة ونصف يوم من غربها البر الأقفر
المتصل ببرقه إلى الغرب الأقصى" (المصدر السابق3/496).
م. الاسكندرية في رحلة ابن بطوطة
قال ابن بطوطة" لمدينة الإسكندرية أربعة أبواب باب السدرة وإليه يشرع طريق
المغرب وباب رشيد وباب البحر والباب الأخضر وليس يفتح إلا يوم الجمعة فيخرج
الناس منه إلى زيارة القبور ولها المرسى العظيم الشأن ولم أر في مراسي الدنيا
مثله إلا ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلاد الهند ومرسى الكفار بسرادق ببلاد
الأتراك ومرسى الزيتون ببلاد الصين.
منار الإسكندرية: قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدما وصفته أنه
بناء مربع ذاهب في الهواء وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه
وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه فإذا أزيلت لم يكن له سبيل وداخل
الباب موضع لجلوس حارس المنار وداخل المنار بيوت كثيرة وعرض الممر بداخله تسعة
أشبار وعرض الحائط عشرة أشبار وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة
وأربعون شبرا وهو على تل مرتفع ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ واحد في بر
مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد فلا يمكن
التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة
الاسكندرية وقصدت المنار عند عودي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة فوجدته
قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه وكان الملك
الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه فعاقه الموت من إتمامه.
عمود السواري الهائل: من غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها
المسمى عندهم بعمود السواري وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سموا
وارتفاعا وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال
الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك ولا يتحقق من وضعه. قال ابن جزي:
أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود
ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره، فاجتمع الغفير لمشاهدته، وطال العجب
منه، وخفي على الناس وجه واحتياله وأظنه كان خائفاً، أو طالب حاجة، فانتج له
فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به. وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى
بنشابة قد عقد بفوقها1 خيطاً طويلاً، وعقد بطرف الخيط حبلاً وثيقاً، فتجاوزت
النشابة أعلى العمود معترضة عليه، ووقعت من الجهة الموازية للرامي، فصار خيطاً
معترضاً على أعلى العمود، فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط، فأوثقه
من إحدى الجهتين في الأرض، وعلق به صاعداً من الجهة الأخرى، واستقر بأعلاه وجذب
الحبل، واستصحب من احتمله، فلم يهتد الناس لحيلته، وعجبوا من شأنه". (رحلة ابن
بطوطة1/13).
الاسكندرية في كتاب مراصد الاطلاع لصفي الدين البغدادي
تحدث عموما عن المدن التي بناها الإسكندر ولم يتطرق الى معالمها الحضارية
بقوله" بنى الإسكندر ثلاث عشرة مدينة وسمّاها كلّها باسمه، ثم تغيّرت أساميها
بعده: واحدة بـ (أورنقوس). والتي تدعى المحصّنة. وأخرى ببلاد الهند. وأخرى في
(جالينقوس). وأخرى في (بلاد السقوباسبيس). وأخرى على شاطئ النهر الأعظم. وأخرى
بأرض بابل. وأخرى ببلاد الصغد وهى سمرقند. والتي تدعى مرعيلوس. وهى مرو. والتي
في مجارى الأنهار بالهند. والتي سميّت كوش، وهى بلخ. والإسكندرية العظمى ببلاد
مصر، فهذه ثلاث عشرة مدينة. والإسكندرية: قرية بين حلب وحماة. والإسكندرية:
قرية على دجلة بإزاء الجامدة، بينها وبين واسط خمسة عشر فرسخا، والإسكندرية:
قرية بين مكة والمدينة. والمشهورة بهذا الاسم الإسكندرية العظمى في بلاد مصر".
(مراصد الاطلاع 1/76). |