Untitled Document

شبكة البصرة منبر العراق الحر الثائر
print
التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية 5


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية 5

شبكة البصرة

علي الكاش

رجال الكنيسة يفندون مسؤولية المسلمين عن حرق المكتبة

يذكر الدكتور نبيل لوقا بباوي" لقد وصل تسامح عمرو بن العاص مع الجنود الرومان البيزنطيين وأعدائه أنه نص في عقد الأمان المبرم مع قيرس أو المقوقس كما يطلق عليه أهل مصر الذي ابرم في عام 642م أنه سمح للجيش البيزنطي بالانسحاب من مصر وان يحمل جنوده أمتعتهم وأموالهم أن يتعهد المسلمون ألا يتعرضوا للكنائس الخاصة بهم هل يوجد تسامح أكثر من ذلك؟ أن تترك أعداءك يخرجون أمام عينيك بأمتعتهم وأسلحتهم وأنت تعلم مقدماً أنهم سوف ينظمون أنفسهم مرة أخرى لمقاتلتك وقتل الجيوش الإسلامية، ولكنها تعاليم الإسلام عندما تبرم عقد الأمان يجب الالتزام به وأن القتال ليس هدفاً لذاته بل هو خطوه للدفاع عن النفس ولتأمين الدولة الإسلامية الحديثة". (انتشار الإسلام بين الحقيقة والافتراء/158).

ذكر الأستاذ عزيز سوريال عطية" يرتبط فتح العرب للإسكندرية بلغط أجوف حول حريق مكتبة المدينة على يد عمرو بن العاص، تنفيذاً لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، لكن هذه الرواية هي من نسيج الخيال وهي أقرب إلى الأساطير في كل تفاصيلها، وهي من حكايات الرحالة عبد الله اللطيف البغدادي (ت 1231م) ومن كتابات الأسقف السورياني اليعقوبي بن العبري، وتزعم هاتان الروايتان أن الخليفة عمر بن الخطاب قد طلب من القائد عمرو بن العاص أن يبقي على هذه المكتبة إن كان ما فيها متفقاً مع ما ورد في القرآن الكريم وإلا فليقم بإحراقها، وعليه كما تزعم هاتان الروايتان قام عمرو بإحراق هذه الكتب. وواقع الأمر أنه لا يوجد مصادر معاصرة أو حولية تشير إلى هذا أو بشيء منه من قريب أو بعيد كما أنه من المشكوك فيه أصلاً أن تكون الإسكندرية عند وصول العرب إليها سنة 642م كانت لا تزال تحوي شيئاً من مكتبة البطالمة فلقد تم إحراق المكتبة منذ زمن بعيد على يد يوليوس قيصر عند هجوم على الإسكندرية لمساعد ة كلوباترة السابعة ضد أخيها سنة 48 ق.م يضاف إلى ذلك أنه في القرن الرابع للميلاد عندما صارت للمسيحية الغلبة في مدينة الإسكندرية على بقايا الوثنية، هجم المسيحيون على كل ما هو من بقايا الوثنية ودمروه تماماً ؛ ومن ذلك بطبيعة الحال ما كان قد تبقي من مكتبة البطالمة الوثنية. كما أن لفائف البردي واللفافات الأخرى التي قد تكون قد أفلتت من حرائق قيصر ومسيحيي القرن الرابع لابد وأنها كانت قد تهالكت وبليت بفعل الزمن وقت وصول العرب إلى مدينة الإسكندرية سنة 642م.وخلاصة كل هذا أن حكاية إقدام عمرو بن العاص على إحراق الكتب في أفران الحمامات بالإسكندرية مجرد تلفيق كاذب لا أساس له من الصحة تاريخياً" (تاريخ المسيحية الشرقية/103).

وجاء في موسوعة (من تراث القبط) الاتي" يتضمن غزو العرب للإسكندرية واقعة حزينة تتعلق بحرق مكتبتها العظيمة بواسطة عمرو بن العاص، الذي قيل إنه إنما كان ينفذ أوامر الخليفة عمر، إلا أن هذه القصة الرومانسية تنتمي إلى عالم الأساطير فقد ظهرت لأول مرة في كتابات الرحالة الفارسي (عبد اللطيف البغدادي المتوفي عام 1331م) والمطران اليعقوبي بارهيبراوس (المتوفي 1286م) أي بعد الغزو بستة قرون، إذ يزعمان أنه بناء على تشاور الخليفة عمر مع قائد جيش المؤمنين في مكة بعث إلى قائده عمرو بقراره المعروف الذي يؤكد فيه بأنه إذا كانت محتويات المكتبة تتفق مع ما جاء في القرآن فهي أشياء لا ضرورة لها ومن ثم فهي تافهة، وإذا كانت تختلف مع القرآن، فلابد من التخلص منها على اعتبار أنها خطر يهدد روح الإسلام وفي كلتا الحالتين يجب إحراق هذه الكتب وبعد تسلم عمرو لهذه الرسالة تم التخلص من هذه المحتويات الضخمة باستخدامها كوقود للحمامات الشعبية بالإسكندرية ستة أشهر وهي مدة لا تصدق، ولم يشر أحد من المؤرخين المعاصرين إلى هذه القصة، فضلاً عن ذلك فمن الشكوك فيه أن تكون لمكتبة بطليموس أثار باقية حتى مجيء العرب والمعروف أن جزءاً كبيراً منها قد دمر في حروب يوليوس قيصر في سنة (48 ق. م)، وحدث في القرن الرابع الميلادي، أن المسيحيين المنتصرين قد قاموا بعمليات منظمة لإحراق المباني عمداً لإزالة كل أثر للمؤسسات الوثنية، التي لابد أنها قد أصابت المتحف muscone أو ما بقى من، إن طبيعة لفائف البردي والمخطوطات المتراكمة في المكتبة كان لابد أن تتحلل نتيجة استعمالها على مدى قرون عديدة والمخطوطات المتراكمة في المكتبة كان لابد أن تتحلل نتيجة استعمالها على مدى قرون عديدة قبل الفتح العربي، وبعبارة أخرى فإن قصة إشعال حمامات الإسكندرية بتراث مكتبة الإسكندرية قصة يجب رفضها باعتبارها بدعة غير تاريخية ولا أساس لها". (موسوعة من تراث القبط1/207).

وقال المطران يوسف ضرغام" انتعشت الكنيسة القبطية وتنظمت في حكم عمرو بن العاص، فاعتقد الأقباط لفترة أن انتصار العرب أعاد لهم الحرية والكرامة والشخصية القومية، لا سيما أن عمرو بن العاص اتبع وصية نبي الإسلام وعطفه على الأقباط إذ جاء في الحديث" إن الله عز وجل سيفتح مصر بعدي، فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم منكم صهراً ونسباً. فقد كانت مارية القبطية زوجة للرسول وأنجبت له ولده الوحيد إبراهيم الذي توفى بعد سنة ونصف تقريباً. وقد ساعد الفتح العربي في بداية الأمر على نهضة اللغة القبطية على حساب اليونانية، فالقراءات الطقسية صارت تتلى بالقبطية وحدها، كما تُرجمت إليها أقوال الآباء، وقد بنيت عدة كنائس وجُددت كنائس أخرى. ففي ايام البطريرك أغاثون (661- 667) عُمرت كنيسة أبي مقار، وبنيت كنيسة القديس مرقس بالإسكندرية في ولاية عمرو بن العاص". (دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة/167).

كما ذكر الأب سهيل قاشا" إن العرب الذين وهبهم الله الملك يحترمون الديانة المسيحية، ويودون القسس والرهبان ويكرمون أولياء الله، ويحسنون إلى الكنائس والأديار". (الكنيسة العراقية إزاء الاضطهادات الفارسية/87). لا بد من الإشارة في هذا الصدد بأن المطران يوسف الدبس علق على دعاوي البعض عن كيفية إحراق مكتبة الإسكندرية ونسبتها للمسلمين بقوله" روى هذه القصة كثير من المؤرخين النصارى وبعض المسلمين أيضاً عَلَى أن المدققين لم يقطعوا بصحتها". (تأريخ سوريا). كما أورد الأب نقولا أن علماء الإفرنج" يزيفون أقوال بعض أرباب الأهواء في نسبة الحريق للمسلمين ويبينون مأْخذ عبد اللطيف البغدادي وابن القفطي وابن العبري والحاج خليفة وليس لمكتبة الإسكندرية ذكر في عبارة أبي الفرج بن العبري الأصلية السريانية والنسخة العربية منقولة عنها كما أن بعض المخطوطات من تاريخه العربي لا أثر لهذه الرواية فيها والحاج خليفة لا ذكر للإسكندرية ومكتبتها في كتابه والبغدادي والقفطي نقلا عن رواية دسها عليهم بعض المتعصبين أو دسوها في عباراتهما. والمبحث مهم في ذاته يبين تعصب الإفرنج عَلَى الإسلام وبه يتم هذا المبحث الذي نشر المقتبس فيه عدة أبحاث أيضاً في سنيه الثلاث الأولى". (المقتبس46/47 عام 1909).

 

الإسكندرية في كتب الرحلات والجغرافية

كتاب الإشارات للهروي

قال الهروي" قيل: إنها كانت في المدينة، وإن المدينة كانت سبع محجات فأكلها البحر، ولم يبق منها غير محجة واحدة، وكانت من موضع يعرف بأبي صير إلى أبى قير، ويقال: إن قبر الإسكندر بالمنارة مع أرسطاطليس، والله أعلم بذلك. يقول مؤلف هذا الكتاب على بن أبى بكر الهروي: إنما ذكروا منارة الإسكندرية من العجائب لما كان بها المرآة التي ذكروا أن المراكب إذا أقلعت من مسيرة أيام تظهر صورها فيها فيستعدوا للقائها، وقيل: إنها كانت تحرق المراكب، وهذا يمكن عمله، فإن المرآة إذا سامت شعاع الشمس أحرقت لا سيما ويعضدها البحر، فإن شعاع الشمس من صقال المرآة وضوء الماء ولمعانه تحرق ولا شك فيه، قيل: كانت المرآة ستين ذراعا وطول المنارة ثلاثمائة ذراع، والله أعلم. وإنما المنارة اليوم ليست من العجائب إنما هي على هيئة مثال برج على ساحل البحر على هيئة المرقب، بل المنائر العجيبة بمدينة القسطنطينية، منها منارة موثوقة بالرصاص والحديد في الضرم، وهو الميدان، إذا هبت الرياح تميلها شرقا وغربا وقبلة وشمالا من أصل كرسيّها، ويدخل الناس الخزف والجوز تحتها فتطحنه ومنارة أيضا في هذا الموضع من النحاس قد قلبت قطعة واحدة إلا أنها لا يدخل إليها. ومنارة قريبة من البيمارستان قد ألبست النحاس جميعها، وعليها قبر قسطنطين، وعلى قبره صورة فرس من النحاس وعلى الفرس صورته، وهو راكب على الفرس وقوائم الفرس محكمة بالرصاص على الصخر ما عدا يده اليمنى فإنها سائبة فى الهواء كأنه سائر، وقسطنطين على ظهره ويده اليمنى مرتفعة في الجو، وقد فتح كفه وهو يشير نحو بلاد الإسلام، ويده اليسرى فيها كرة، وهذه المنارة تبين عن مسيرة بعض يوم للراكب فى البحر، وقد اختلفت أقاويل الناس فيها فمنهم من يقول: في يده طلسم يمنع العدو أن يقصد البلد» ومنهم من يقول: «بل على الكرة مكتوب: ملكت الدنيا حتى بقيت في يدى مثل هذه الكرة وخرجت منها هكذا لا أملك شيئا منارة في سوق استبرين من الرخام الأبيض ومن أرضها إلى رأسها صور منبتة نابتة من جسمها أعجب صنعة تكون، ودربزينها من النحاس قطعة واحدة، وبها طلسم إذا طلع الإنسان عليها يقع نظره على المدينة بأسرها. بالإسكندرية في المحجة موضع يقال له: القمرة، به عامود عليه صورة طير يدور مع الشمس، وبها عامود السواري مصقول صقال الفصوص والعمد حوله، ويقال: هذا هو الرواق الذي بنته اليونان، ولهذا يقال في كتبهم: " قال أصحاب الرواق: وهذا العامود ذرعته وقد شذ عنى الآن بل أظنه ستين ذراعا، والله أعلم، وأظن دائرة ثلاثين ذراعا، وتحته قاعدة مربعة من الحجر المانع قطعة واحدة، وبها الباب الأخضر يزار، وبها مسجد التوبة والرحمة والرباط بها عظيم، وبها دار الإسكندر، وبظاهرها كنيسة أسفل الأرض عمارة عجيبة، ومسجد النحات، عنده شهداء لا تعرف أسماؤهم، وبجلبانتها من الأولياء والصالحين خلق كثير، وبها السمك الرعاد، من أمسكه ترعد يده إلى أن يلقيه منها". (الإشارات للهروي/45).

 

رحلة بنيامين التطيلي

قال: إسكندرية هي نو أمون أو أمون نو الواردة في التوراة. شيّدها الإسكندر المقدوني وجعلها من أجمل المدن وأمنعها فأطلق عليها اسمه. وبظاهر المدينة مدرسة أرسطو أستاذ الإسكندر. كانت مؤلفة من عشرين قسما يقصدها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم لدرس فلسفة أرسطو. وبناؤها واسع جميل، معقود على أساطين من رخام. ومدينة إسكندرية مشيدة على طيقان معقودة، تحتها الكهوف والمغاور. وشوارعها مستقيمة لا يحد البصر آخرها لطولها. فالشارع الممتد من رشيد إلى باب البحر ينوف على الميل طولا. وفي مرساها رصيف يمتد في البحر إلى مسافة ميل أيضا. وفي إسكندرية برج مرتفع يدعى (المنارة)، ويسميه العرب منار الإسكندرية وقديما كان في أعلى البرج مرايا من زجاج، تراقب بوساطتها مراكب القرصان القادمة من أنحاء الروم وبلاد المغرب، من مسافة خمسين ميلا عن الشاطئ، فتتخذ الأهبة لمنازلتها. وبظاهر المدينة، على شاطئ البحر، يشاهد عمود كبير من رخام. عليه صور الطير والحيوان وكتابات ورموز قديمة، ليس بميسور أحد اكتناه طلاسمها، ويقال: إنها قبر ملك عاش قبل الطوفان، يبلغ طوله خمسة عشر شبرا بالطول وستة أشبار بالعرض". (رحلة بنيامين/358).

 

المسالك والممالك للبكري

قال البكري" إنّ الإسكندر لمّا استقام ملكه في بلاده سار يختار أرضا صحيحة الهواء والتربة والماء، فأتى موضع الإسكندرية فأصاب أثر وعمد رخام منها عمود عظيم مكتوب عليه بالقلم المسند- وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد- أنا شدّاد بن عاد شددت بساعدي الواد وقطعت عظيم العماد من الجبال الأطواد وبنيت إرم ذات العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد. وبنى سورها آزاجا وطبقات قد عمل لها مخاريق ومتنفّسات للضياء يسير فيه الفارس بفرسه وبيده رمح لا يضيق به حتّى يدور جميع تلك الآزاج. وكذلك أسواقها وشوارعها وسككها مقنطرة كلّها لا يصيب أهلها شيء من المطر. وكانت الإسكندرية تضيء في الليل بغير مصباح لشدّة بياض الرخام، وربّما علّق فيها شقاق الحرير الأخضر لاختطاف بياض الرخام أبصار الناس. وقد كان لها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة ألوانها بينها خنادق بين كلّ خندق وسور فصيل. اما منارة الاسكندرية فأمّا المنارة فذهب كثير من الناس أنّ الإسكندر بناها على حسب ما ذكرنا في المدينة، ومنهم من رأى أنّ دلوكه الملكة بنتها، وقال بعضهم إنّ العاشر من فراعنة مصر بناها، وهذه المنارة من دخلها تلف فيها إلّا أن يكون عالما بها لكثرة بيوتها وحجراتها وطبقاتها، قال البكري في منارة الاسكندرية مسجد في هذا الوقت يرابط فيه المطوّعة. وكان حول المنارة مغاوص تستخرج منها أنواع جوهر يتّخذ منه فصوص الخواتم منها الاسباذ جشم والكركهن والباقلمون، وهذا الباقلمون، حجر يتلوّن في المنظر ألوانا مختلفة كتلّون ريش الطاووس الهندية، فإنّها تتلوّن ألوانا لا تحصى ولا تشبه بلون من الألوان لما يترادف من تموّج الألوان في ريشها". (المسالك والممالك للبكري2/634).

وتحدث عن القصر الأعظم بالإسكندرية اليوم خراب، وهو على ربوة عظيمة بإزاء باب المدينة، طوله خمسمائة ذراع وعرضه على النصف من ذلك أو نحوه، ولم يبق منه إلّا سواريه، فإنّها قائمة لم يسقط منها شيء، وعدد أساطين القصر أزيد من مائة أسطوانة غلظ كلّ أسطوانة نحو عشرة أشبار. بمدينة الإسكندرية كان الهيكل الأعظم الّذي اجتمع فيه ثلاثمائة أسقف وثمانية عشر أسقفا فأسّسوا القول بالتثليث وكفّروا من خالفهم، وذلك في زمن قيصر يولس. رأيت بالإسكندرية عند قصّاب ضرس إنسان يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال. كان بالإسكندرية دار ملعب قد بنيت بضرب من الحكمة لا يرى أحد فيها شيئا دون صاحبه ووجه كلّ فيها تلقاء وجه صاحبه، إن عمل أحد منهم شيئا أو تكلّم أو نفث ونظر إليه جميعهم سماعا ونظرا متساويا قريبهم وبعيدهم. وكانوا يترامون فيها بالكرة، فإذا وقعت في كمّ أحد منهم فلا بدّ له من ولاية مصر". (المسالك والممالك للبكري2/641).

وكان على الإسكندرية سور لا يعدل به في الحصانة والإتقان والمنع. فنذر عمرو لئن أظهره الله عليهم ليهدمنَّ سورها حتّى تكون مثل بيت الزانية يؤتى من كلّ مكان". (المسالك والممالك للبكري2/644).

 

د. الاستبصار في عجائب الأمصار للمراكشي

ذكر المراكشي" يقال إن أسقفا كان بالإسكندرية من أهل العلم بالكوائن، لما بلغه قدوم عمرو مع المسلمين إلى بلاد مصر كتب إلى القبط يعلمهم أن ملكهم قد انقطع، ويأمرهم بتلقي عمرو والطاعة له؛ فأطاعه كثير من القبط فاستعان بهم على من سواهم". (الاستبصار/79). وقال" كان أصل بنائها أن الإسكندر استقام له ملكه في بلاده، وكانت بلاده رومة وما إلى ذلك من بلاد الروم، وكان فيما يقال روميا، فيقال إنه خرج يختار أرضا صحيحة الهواء والتربة والماء يبنى بها مدينة يسكنها، فأتى موضع الإسكندرية فأصاب به أثر بنيان وعمد رخام منها عمود عظيم مكتوب عليه بالقلم المسند، وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد: أنا شداد بن عاد، سددت بساعدي الوادي وقطعت عظيم العماد من شوامخ الجبال والأوطاد، وبنيت إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد". (الاستبصار/92). ويضيف" اتخذ الإسكندر الطلسمات مصورة على أعمدة رخام على هيئة شجرة السرو، طول العمود منها 80 ذراعا، وهى باقية إلى هذه الغاية. يقال إنها على أعمدة نحاس قد خرقت الأرض فصورت، فيها أشكال وصور تمنع وتدفع. وبنى المنار على طرف اللسان الداخل في البحر من البر، وجعله على كرسي من زجاج على هيئة السرطان في جوف البحر، وجعل طوله في الهواء ألف ذراع، وجعل في أعلاه المرآة. وكانت المرآة قد ركبت من أخلاط غريبة فيبصر فيها ما يأتي من مراكب العدو على مسيرة أيام فيتأهب لهم، فإن قربت المراكب من البلد عملت أخلاط بأدهان يعرفونها وطليت بها المرآة وعكس شعاعها على تلك المراكب فأحرقتها.وجعل في المنار تماثيل من نحاس وطلاسم كثيرة تمنع وتدفع ولها خواص، فمنها تمثال قد أشار بسبابة يده اليمنى نحو الشمس حيث كانت من مشرق أو مغرب أو أفق فيدور معها، وتمثال يشير بيده نحو العدو إذا كان منه على مقدار ليلة، فإن دنا وأمكن أن يرى بالبصر يسمع لذلك التمثال صوت هائل على ميلين أو ثلاثة". (الاستبصار/94)

وتحدث عن " القصر الأعظم الذي كان بالإسكندرية، لم يكن له على معمور الأرض نظير، هو اليوم خراب. ونحو الشمال منه أسطوانة عظيمة لم يسمع بمثلها، غلظها 36 شبرا وهى من العلو بحيث لا يدرك أعلاها قاذف بحجر، وعليها رأس محكم الصناعة يدل على أن بناء كان عليها، وتحتها قاعدة من حجر أحمر مربع الشكل محكم عرض كل ضلع من أضلاعه 20 شبرا في ارتفاع 8 أشبار. والأسطوانة منزلة فى عامود من حديد قد خرقت به الأرض، فإذا اشتدت الرياح رأيتها تتحرك وربما جعلت تحتها الحجارة فتطحنها لشدة حركتها. وهذه الأسطوانة من إحدى أعاجيب الدنيا، ويقال إن الجن صنعتها لسليمان بن داود عم". (الاستبصار/99).

ويضيف" كان بالإسكندرية دار ملعب قد تهدم أكثرها، وكانت قد بنيت بضروب من الحكمة، وكانوا يجلسون فيها لقضاء حوائجهم، فكان كل جالس فيها إنما جلسوه تلقاء وجه صاحبه ولا يخفى على أحد منهم شيء من حال غيره، يتساوى قريبهم وبعيدهم في ذلك. وكان لهم يوم مهرجان يجتمعون فيه في هذا الملعب، ويحضره رؤساؤهم وأبناء ملوكهم وعامتهم، ويلعب فيه الصبيان والفتيان بالصوالج وبينهم كرة. فإن دخلت تلك الكرة كم رجل ممن حضر في ذلك اليوم فلابد له من ولاية مصر؛ كان هذا عيدهم معروف لا ينكره أحد". (الاستبصار/100).

 

كتاب السفرنامة لناصر خسرو

قال ناصر خسرو" تَقَع الْإسْكَنْدَريَّة على شاطئ بَحر الرّوم وشاطئ النّيل وتصدر مِنْهُمَا بالسفن فَاكِهَة كَثِيرَة لمصر وَفِي الْإسْكَنْدَريَّة مَنَارَة رَأَيْتهَا قَائِمَة وَأَنا هُنَاكَ وَقد كَانَ فَوْقهَا حراقة مرْآة محرقة فَكلما جَاءَت سفينة رُومِية من الْقُسْطَنْطِينِيَّة أصابتها نَار من هَذِه الحراقة فأحرقتها وَقد بذل الرّوم كثيرا من الْجد والجهد وَالْحِيلَة فبعثوا شخصا فَكسر الْمرْآة وَفِي عهد الْحَاكِم". (السفرنامة/84).

 

فضائل مصر المحروسة. ابو عمر بن يعقوب الكندي المصري

قال ابو عمر الكندي المصري عن عجائب مصر" من عجائب مصر" بها من الأبنية وآثار الحكمة: البرابي والهرمان، وليس على وجه الأرض بناء باليد حجراً فوق حجر أطول منهم. وبها منارة الإسكندرية، وبها عمود عين شمس". (فضائل مصر المحروسة/11). ونقل عن عبد الله بن عمرو" من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى أطيارها". (المصدر السابق/9).

ونقل عن ابي عمر الكندي المصري" ذكر أهل العلم والمعرفة والرواية أنه دخل مصر في فتحها ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة رجل ونيف. وقال يزيد بن أبي حبيب: وقف على إقامة قبلة المسجد الجامع ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. منهم الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، وعقبة بن عامر وأبو ذر ومحمية بن جزء ونبيه بن صؤاب، ورافع بن مالك، وربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وسعد بن أبي وقاص وعمرو ابن علقمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب وخارجة بن حذافة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحمد بن مسلمة، ومسلمة بن مخلد، وأبو أيوب وروفع بن ثابت، وهبيب بن مغفل، وكعب بن ضنة، ومعاوية بن حديج، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة وغيرهم". (المصدر السابق/5).

 

تاج المفرق في تحلية علماء المشرق. لخالد بن عيسى البلوي الملقب ابو البقاء

زار ابو البقاء معالم الإسكندرية والتقى بمعظم علمائها وناقشهم في الكتب، ولكن لم يأت أحد منهم على ذكر مكتبة الاسكندرية ولا ابو البقاء نفسه. مما ذكره:

" ذكر من عبد الله بن عمرو ابن العاص أنه قال عجائب الدنيا أربعة مرآة منار الإسكندرية كان الناس يجلسون تحتها فيرون من القسنطينة وبينهما عرض البحر، وفرس من نحاس بأرض الأندلس باسط يديه مقابل بكفييه أي، ليس خلفي مسلك فلا مسلك فلا يطأ أحد تلك الأرض إلا ابتلعته النمل، ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد، فإذا كانت الأشهر الرحم هطل منها الماء فشرب الناس واستقوا وصبوا في الحياض فان انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء إلى آخر، وشجرة من نحاس بأرض رومة عليها زرزور من نحاس سودانية فإذا كان أوان الزيتون صفرت تلك السودانية من النحاس فيعصر أهل رومة ما يكفيهم من الزيت لأدمهم وسرجهم في كنائسهم إلى عام قابل، هذا الذي ذكره عبد الله بن عمرو بن العاص خبر مشهور موجود في كتب الحكماء، والمرآة التي كانت بمنار الإسكندرية صح خبرها بالتواتر خاصة، وإنما عمل الروم في إفسادها خوفا منها، ولهذه المدينة من المدارس والمساجد ما لا يستوفيه وصف ذكر الهروي في بعض تآلفيه أن مدينة الإسكندرية احتوت على أثني عشر ألف مسجد، وذكر أبو الربيع بن سالم الكلاعي في كتاب الاكتفاء له قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فتح الإسكندرية، أما بعد فأني فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أني أصبت فيها أربعة آلاف منية بأربعة آلاف حمام، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة حلة للملوك، وعن أبى قبيل، ان عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها أثنى عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر) انتهى)، إلى غير ذلك من المعاهد والمفاخر والمشاهد والمآثر، وفيها تربة بعض الأنبياء عليهم السلام، وتربة بعض التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، استوفيت زيارة جميعهم وتردد إلى مبارك بقعيهم". (تاج المفرق/24)

شبكة البصرة

الخميس 23 ربيع الاول 1446 / 26 أيلول 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط

print