عندما قرأت هذا الخبر قلت فورا: هذه نكتة. وهي بالفعل كذلك.
يقول الخبر ان مسئولا بالمخابرات الأمريكية صرح بأن المخابرات لاحظت أن روسيا
بدأت محاولاتها للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024.
وذكر ان روسيا تحاول "تشويه سمعة سياسيين محددين"، كما تحاول تقليل او تعطيل
قدرة واشنطن على اجراء الانتخابات.
قبل تصريح هذا المسئول كانت مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية أفريل هاينز قد
قالت ان مخابرات الولايات المتحدة تعتبر روسيا التهديد الأجنبي الأخطر على
الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى جانب الصين وإيران. وذكرت خلال جلسة استماع
بمجلس الشيوخ إن "روسيا تظل التهديد الأجنبي الأكثر نشاطاً وخطراً على
انتخاباتنا".
اما عن خطة روسيا واهدافها من التدخل في الانتخابات، فقد حددتها مديرة
المخابرات الوطنية الأمريكية في:
1- تقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية الأمريكية.
2- مفاقمة الانقسامات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة.
وقالت أن "روسيا تعتمد على جهاز نفوذ متعدد الوسائط واسع النطاق يشمل أجهزة
المخابرات، والجهات الفاعلة السيبرانية، ووسائل الإعلام الحكومية، والوسطاء،
ومتصيدي وسائل التواصل الاجتماعي".
ما قاله مسئول المخابرات ورئيسة المخابرات الوطنية على هذه النحو مضحك فعلا ولا
يمكن ان يكون حديثا جادا.
القضية ليست ان روسيا او غيرها تريد التدخل في الانتخابات ام لا. القضية انه لا
أحد في العالم بحاجة الى ان يتدخل اصلا، فأي اهداف قد يريد تحقيقها عبر هذا
التدخل يحققها الأمريكيون انفسهم أصلا.
لا معنى مثلا لأن يقال ان روسيا تريد عبر تدخلها تشويه سمعة ساسة أمريكيين.
ما الذي يمكن ان يفعله أي بلد في العالم لتشويه سمعة الساسة في أمريكا اكثر مما
يحدث اليوم ومما يفعله هؤلاء الساسة انفسهم؟
يكفي ان نتأمل هذا السيرك المنصوب حاليا، وهذه الدراما الهزلية التي يلعب دور
البطولة فيها ساسة أمريكا فيما يتعلق بمرشحي الرئاسة ألأمريكية. كل ساسة حزب
كبير مثل الحزب الديمقراطي لا يعرفون ماذا يفعلون بالضبط مع رئيس يطالب
الكثيرون بتنحيته عن سباق الرئاسة بسبب مشاكله الصحية وهفواته اليومية
المضحكة.. لايعرفون هل يستمر ولا كيف يمكن إقناعه بالتنحي. بالمقابل ترامب
المرشح الجمهوري ليس فوق مستوى الشبهات فيما يخص سمعته بعد المحاكم التي عقدت
له.
هؤلاء الساسة العاجزون الضائعون، من يستطيع ان يشوه سمعتهم اكثر من هذا؟.
اما عن اتهام روسيا او الصين او غيرها بالعمل على تقويض الثقة في المؤسسات
الديمقراطية الأمريكية، فهذه نكتة أيضا. الثقة في المؤسسات الأمريكية وفي
النظام السياسي الأمريكي برمته تقوضت منذ فترة طويلة.
الأمريكيون انفسهم هم الذين فقدوا الثقة في هذه المؤسسات. سواء تعلق الأمر
بمؤسسة الأحزاب، او مؤسسة الرئاسة، او حتى المؤسسة القضائية، يكفي ان نتابع ما
يكتبه الخبراء والمحللون الأمريكيون، وما تظهره استطلاعات الراي العام كي نعرف
الى أي حد وصلت عدم الثقة العامة في هذه المؤسسات، وفي كفاءة النظام السياسي
الأمريكي كله.
واما عن الانقسامات الاجتماعية والسياسية في أمريكا واتهام روسيا بالعمل على
مفاقمتها، فلقد وصلت هذه الانقسامات حدا خطيرا الى الدرجة التي اصبح فيها عشرات
المحللين الأمريكيين يتحدثون عن احتمالات اندلاع حرب أهلية، والى حد ان بدأت
ولايات تتحدث عن مطالبات بالاستقلال. هذا الوضع الخطير الذي وصلت اليه
الانقسامات في أمريكا حدث لأسباب وعوامل داخلية لا علاقة لأي احد في الخارج
بها.
على ضوء كل هذا يصبح امرا مضحكا ان تتحدث المخابرات الأمريكية عن تدخلات خارجية
تستهدف الانتخابات الرئاسية او تدمير سمعة أمريكا ومؤسساتها.
نقول هذا لأن أمريكا دأبت طوال العقود الماضية على اتهام دولنا العربية ودول
العالم الأخرى بانها تتهرب من مواجهة مشاكلها وازماتها الداخلية بالقاء
المسئولية على الخارج والتدخلات الخارجية.
اليوم، المخابرات ألأمريكية هي التي تفعل هذا بالضبط. بدلا من المواجهة الصريحة
لأزمات أمريكا الداخلية المتفاقمة يريدون القاء اللوم على دول اجنبية. |