مؤخرا، ادلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بتصريح في منتهى الغرابة.
قال ان ايران أصبحت قادرة على إنتاج مواد انشطارية كافية لصنع قنبلة نووية
"خلال أسبوع أو اثنين". وقال "ما رأيناه في الأسابيع والأشهر الأخيرة أن إيران
تمضي قدمًا في هذا البرنامج النووي". وكرر انها أصبحت على بعد اسبوع او أسبوعين
من تحقيق هدفها.
هذا تصريح غريب. لا أحد يعرف الى من يتحدث والى من يشكو بالضبط.
تصريح بلينكن يوحي بأن أمريكا غاضبة او غير راضية عن قدرة ايران على امتلاك
ايران الوشيك لسلاح نووي بحسب تقديره. وقال في تصريحاته بالفعل ان "هدف
الولايات المتحدة يتمثل في عدم امتلاك إيران لسلاح نووي أبدًا".
للأسف بلينكن ليس صادقا ابدا، وما قاله لا يعبر عن حقيقة الموقف الأمريكي.
حقيقة الأمر ان أمريكا بالذات في عهد الرئيس بايدن هي التي مكنت ايران من
الوصول الى هذه المرحلة المتقدمة جدا من القدرة على امتلاك السلاح النووي.
أمريكا هي المسئولة لأسباب كثيرة.
قبل كل شيء، إدارة بايدن هي التي أفرجت عن اموال إيرانية مجمدة، واتاحت للنظام
الإيراني الحصول على مليارات الدولارات. واتاحت لإيران الحصول على مليارات أخرى
بغضها النظر عن أي انتهاكات للعقوبات المفروضة على ايران.
هذه الأموال هي التي مكنت ايران من المضي قدما في برنامجها النووي. ليس هذا
فحسب ـ بل اتاحت لها المضي قدما في تمويل وتسليح المليشيات العميلة لها في
المنطقة العربية والتي تنفذ اجندتها الطائفية التوسعية في الدول العربية.
الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن هذا، ان أمريكا هي التي عملت خلال الأشهر
الماضية على منع أي ادانة لإيران بسبب برنامجها النووي. وهذا أمر تعمد بلينكن
تجاهله تماما.
الذي حدث ان وكالة الطاقة الذرية طوال الأشهر الماضية حذرت مرارا وتكرارا من
انتهاكات ايران، ومن عدم قدرة الوكالة على مراقبة البرنامج الإيراني بسبب منعها
من قبل النظام الإيراني.
الوكالة حذرت مرارا من ان ايران تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تكاد
تقترب من نسبة 90% التي تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية، وانه اصبح لديها ما
يكفي من المواد المخصبة لهذا المستوى.
تحذيرات وكالة الطاقة دفعت أعضاء الوكالة بمن فيهم الأوروبيون قبل نحو شهرين
الى اعداد قرار يدين ايران بسبب برنامجها النووي ويدعو الى الزامها بالتعاون
بشكل عاجل مع وكالة الطاقة ومع تحقيقها المستمر منذ سنوات بشأن البرنامج.
الدول الاوروبية أرادت صدور هذه الإدانة، وقالت انه "لا يوجد استخدام مدني من
التخصيب إلى هذا المستوى الحادث في ايران". ووكالة الطاقة قالت انه "لم تقم أي
دولة أخرى بالتخصيب لهذا المستوى دون صنع سلاح نووي" مما يحتم ادانتها.
الذي حدث انه، ووسط دهشة الدول الأوروبية ووكالة الطاقة، رفضت أمريكا رفضا
مطلقا صدور أي قرار يدين ايران ومارست ضغوطها من اجل منع صدور هذه الإدانة.
مصادر اوروبية قالت تعليقا على هذا الموقف " الأمريكيون هم الطرف الصعب في
محادثاتنا، ونحن نواصل فعل كل شيء لإقناعهم". أي لإقناعهم بصدور قرار يدين
ايران.
مع كل هذا أصرت أمريكا على عدم صدور أي ادانة لإيران.
قيل الكثير في تفسير هذا الموقف الأمريكي الغريب.
كانت حجة الأمريكان على لسان مسئولين هي انهم "يريدون تجنب إعطاء إيران ذريعة
للرد من خلال تصعيد أنشطتها النووية، كما فعلت في الماضي".
طبعا هذا تبرير لا ينطلي على احد. التفسير الأرجح كما ذكر كثيرون بالفعل ان
ادارة بايدن لا تريد أي تصعيد مع ايران في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
بغض النظر عن التفسير، كان موقف امريكا برفض أي ادانة لايران وبرنامجها النووي
يعني مباشرة إعطاء النظام الإيراني الضوء الأخضر للمضي قدما في برنامج صنع
السلاح النووي من دزن ان يخشى شيئا. هل هناك تفسير آخر غير هذا؟
الذي يعنينا في كل هذا في كل الأحوال هو ان على الدول العربية ان تدرك ان
أمريكا لا تمانع في ان تصبح ايران قوة نووية، ولا تعترض على مشروع ايران
الطائفي التوسعي في المنطقة ولديها حساباتها ومصالحها في هذا. على هذا الأساس
يجب ان تبني الدول العربية حساباتها. |