القرارا الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي قبل أيام بالرفض القاطع لقيام دولة
فلسطينية يجب ان نتوقف عنده مليا ليس لأنه أتى بشيء جديد لا نعرفه، ولكن لأنه
ينبهنا الى أمور لها اهمية حاسمة.
الكنيست الإسرائيلي صوت بالأغلبية، على مشروع قرار يرفض إقامة أي دولة
فلسطينية، باعتبار أن مثل هذه الدولة ستشكل "خطرا وجوديا على دولة إسرائيل
ومواطنيها". ومن أصل 120 عضوا في الكنيست، حظي القرار بتأييد 68 نائبا، من
الائتلاف الحكومي والمعارضة على حد سواء.
امران مهمان عن القرار:
الأول:
ان هذا الموقف برفض إقامة دولة فلسطينية ليس جديدا. كل قادة الكيان الإسرائيلي
دأبوا منذ سنين طويلة على تأكيد هذا الرفض، ولم يكتفوا بهذا بل اثبتوه عمليا
بالعمل على افشال اي مسعى وأي محاولة تفاوض حول حل القضية الفلسطينية. هذا قبل
التطورات الأخيرة التي بدأت بهجوم السابع من أكتوبر.
والثاني:
انه بعد هجوم السابع من أكتوبر وحرب الابادة الاسرائيلية على غزة لم يعد رفض
اقامة الدولة الفلسطينية مرتبطا بالأحزاب اليمينية الاسرائيلية فقط، وانما اصبح
محل اجماع من الكل. ما يسمى بأحزاب المعارضة صوتت مع القرار في الكنيست. والأهم
من هذا ان هذا الرفض اصبح محل اجماع كل الإسرائيليين تقريبا. هذا ما تؤكده مثلا
استطلاعات الرأي، وآخرها استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" في أواخر مايو الماضي،
وأشار إلى أن 64 في المائة من الإسرائيليين يعارضون إقامة أي دولة فلسطينية،
مقابل التطبيع مع المملكة العربية السعودية..
أي ان رفض الدولة الفلسطينية هو اليوم موقف يلتف حوله كل الاسرائيليين.
الحقيقة ان كل من يعرف ابعاد وأركان الفكر الصهيوني والمخططات الصهيونية يعلم
ان جوهر هذا الفكر وجوهر هذه المخططات يقوم على امر واحد محدد، هو العمل على
الإبادة الجماعية لكل الفلسطينيين. بعبارة أخرى، تقوم المخططات الصهيونية على
انه لا يمكن ضمان بقاء دولة اسمها إسرائيل في ظل وجود الفلسطينيين على ارض
فلسطين، وانه لا حل سوى إبادة الفلسطينيين وطردهم جماعيا.
هذا هو الذي يفسر الإبادة الاسرائيلية الحالية في غزة بكل هذه الوحشية
والهمجية. وفي المخطط الاسرائيلي لو نجحوا في غزة سينتقلون الى الضفة والى كل
مكان في فلسطين على امل أن يتمكنوا في النهاية من طرد الفلسطينيين خارج وطنهم.
المهم انه بالنسبة للاسرائيليين ليس هناك أي محل على الاطلاق للحديث عن سلام او
مفاوضات من اجل أي حل من أي نوع، وبالطبع لا يمكن في ظرف من الظروف قبول الحديث
عن اقامة دولة فلسطينية على الاطلاق. بالنسبة للاسرائيليين، هذا ملف مغلق
تماما.
هذا الموقف الاسرائيلي الذي جسده قرار الكنيست يجسد وهما صهيوينا، ويسقط وهما
عربيا.
اما عن الوهم الصهيوني، فالحقيقة الثابتة ان المخطط الصهيوني بإبادة
الفلسطينيين وطردهم من وطنهم وهم لا يمكن ان يتحقق. منذ قيام الكيان الاسرائيلي
وهو يقوم بعمليات الإبادة، ومع هذا لم يستطع ان يقضي على القضية الفلسطينية ولا
على مقاومة الشعب الفلسطيني واصراره على استعادة حقوقه المشروعة.
اما عن الوهم العربي الذي آن له ان يسقط فهو الاعتقاد بانه من الممكن في أي ظرف
اجراء مفاوضات سلام على اي مستوى وفي أي اطار والاعتقاد بانه يمكن ان تقود هذه
المفاوضات الى قيام دولة فلسطينية مستقلة. هذا امر ليس واردا على الاطلاق في
اجندة الاسرائيليين.
والأمر باختصار ان الدولة الفلسطينية لن تقوم ولن يحصل الشعب الفلسطيني على أي
من حقوقه ولن ينتهي الاحتلال الاسرائيلي ما لم يتم اجبار الكيان الإسرائيلي على
هذا بكل سبل الإجبار الممكنة.
ادراك هذه الحقائق امر مهم عربيا،لأنه من المفترض ان يحكم هذا المواقف
والتحركات العربية. |